طارق ترشيشي
ليست هناك أوهام لدى فريقي الموالاة والمعارضة في أن مهمة الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، في جولتها الثانية اليوم، ستنتهي إلى نتائج ملموسة على مستوى معالجة الأزمة بينهما في إطار المبادرة العربية.
فالمشكلة لا تكمن فقط في التباعد القائم بين الطرفين بشأن أولويات الحل وفق مندرجات المبادرة والتفسيرات المتباينة لها، بل تكمن في ذلك الموقف الأميركي الذي لم يرحب بهذه المبادرة، ويتصرف معرقلاً لها منذ إعلانها، لأنه يرى أنها أعطت المعارضة وسوريا أكثر ممّا أعطت الموالاة وحلفاءها. فإثر الاجتماع الأول لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، أُقرّت المبادرة على أساس أن لا تكون هناك أرجحيّة في اتخاذ القرار داخل الحكومة، لا للموالاة ولا للمعارضة، بل لرئيس الجمهورية من خلال الحصّة الوزارية الوازنة التي ستعطى له. بمعنى آخر، إن المبادرة ساوت في الأحجام بين الموالاة والمعارضة، وهو ما رفضته واشنطن، قبل أن ترفضه الموالاة نفسها.
أما في الاجتماع الثاني للوزراء العرب، فإن واشنطن وجدت أيضاً أن ما تقرّر خلاله من أن يكون البيان الوزاري للحكومة الجديدة بيان الحكومة الحالية نفسه، الذي يتمسك بالمقاومة ويمنحها شرعية الاستمرار إلى حين تحرير ما بقي من أرض لبنانية محتلة وإطلاق الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، ترفضه الإدارة الأميركية التي ترى أن هذه المقاومة «إرهاباً»، وتشنّ حرباً شعواء عليها. ولذا، فإن هناك اقتناعاً لدى الجميع بأن المبادرة العربية فشلت أو هي آيلة إلى الفشل، لأن واشنطن لا تريد لها النجاح، وتفضّل بقاء الوضع اللبناني على ما هو، في ظل استمرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تحظى بدعمها اليومي إلى حين حسم خياراتها الإقليمية واللبنانية، في خلال ما بقي من ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش.
وفي هذا السياق، رسم خبير أميركي بشؤون الشرق الأوسط، خلال لقاءات عقدها في بيروت أخيراً، صورة افتراضية لما سيكون عليه الوضع في لبنان والمنطقة خلال السنة الجارية، فيقول إن العراق يتجه إلى الفدرالية، بعدما أصبح الفرز الجغرافي والإثني والطائفي أمراً واقعاً فيه. ويقول إن تنظيم «القاعدة» مُني بخسارة كبيرة في منطقة الأنبار السنّية، وإن «قوات الصحوة» أثبتت وجودها في تلك المنطقة. ولذا، يتجه «القاعدة» إلى البحث عن مسرح عمليات آخر له في المنطقة («ساحة جهاد»)، وإن لبنان مرشح لأن يكون هذه الساحة، لكونه يتحول تدريجاً إلى «دولة فاشلة» أو «دولة غير قابلة للحكم»، على حد قول الخبير نفسه، الذي أشار إلى أن المحاولة الأولى لـ«القاعدة» في هذا الاتجاه كانت الحرب التي دارت في مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني ومنظمة «فتح الإسلام»، حيث تمكّن الجيش من إحباط هذه المحاولة، وستكون هناك محاولات جديدة تحت أسماء أخرى لدخول «القاعدة» إلى لبنان.
ويشير هذا الخبير الأميركي إلى أن حل الأزمة اللبنانية مستبعد حصوله إلى حين وصول الإدارة الأميركية الجديدة إلى السلطة، في ضوء الانتخابات الرئاسية الجديدة في تشرين الثاني المقبل، لأن الإدارة الحالية بدأت الدخول في معترك الانتخابات، وهي ستتوقف مطلع الصيف عن اتخاذ قرارات تتعلق بلبنان وغيره، وتجمّد الأوضاع في انتظار قيام الإدارة الجديدة. ولذا، فإن حظوظ استمرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في السلطة هي المتقدمة، على رغم المبادرات المطروحة أو التي يمكن أن تطرح لإنهاء الأزمة بين فريقي الموالاة والمعارضة.
وعن مستقبل الوضع بين الولايات المتحدة وإيران، يقول الخبير الأميركي إن الاستعدادات الأميركية لتوجيه ضربة لإيران مكتملة ميدانياً، إذ يوجد في مياه الخليج حاملتا طائرات أميركيتان، فيما يرسو الأسطول الخامس في مياه البحرين، إلى جانب القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في آسيا الوسطى ودول الخليج. ويضيف أن قرار الحرب يُعَد بمثابة المتخذ، ولكن توقيت البدء بتنفيذه هو في يد إدارة الرئيس جورج بوش، وقد يؤجّل إلى حين نشوء الإدارة الجديدة التي لن تغيّر شيئاً في التوجّه الأميركي إزاء إيران، بحيث إنها سترث من الإدارة الحالية الوضع الإيراني بكل تشعباته، بما في ذلك الاستعدادات للضربة.
ويلفت الخبير نفسه إلى أن المعلومات المتسرّبة تفيد بأن الضربة لإيران ستكون صاروخية وجوية لآلاف الأهداف على الأراضي الإيرانية، ولن يتخللها أي هجوم بري، وتستغرق من 10 إلى 15 يوماً يقفل خلالها مضيق هرمز لمدة أسبوع. وعن رد فعل إيران على الضربة، يعتقد الخبير الأميركي بأن الأسلحة الإيرانية لا تتميّز بالدقة اللازمة لمواجهة الأسلحة الأميركية، وأن هناك احتمال رد إيراني داخل العراق وبعض الدول العربية. أما بالنسبة إلى لبنان، فليس مؤكداً أن يحصل رد إيراني فيه، نظراً إلى ابتعاده عن مسرح العمليات الحربية، وعدم وجود قوات أميركية على أراضيه.
ويستبعد الخبير الأميركي مشاركة إسرائيل في الهجوم على إيران، لكنه توقع أن تتصرف وفق ما تصرفت أثناء الهجوم على العراق، في آذار 2003. ويتوقع عدم سقوط النظام الإيراني نتيجة الضربة. ويقول إن هذا النظام سيستمر، ولكنه سيخرج من الحرب منهكاً بمشكلات اقتصادية مستعصية نتيجة الدمار الذي سيلحقه الهجوم الأميركي بالمرافق السياسية والاقتصادية والنووية في البلاد.