رامي زريق
أتت موجة البرد قاسية على العديد من الزراعات في لبنان، ولكل مزارع قصته الحزينة. لنأخذ مثلاً مزارعي القمح في البقاع، الذين كانوا يأملون تحقيق الربح الوافر بعدما تضاعفت أسعار القمح العالمية، فاستأجروا أراضي من كبار الملاكين الذين لا تهمهم الزراعة، وذلك بأسعار بلغت ضعف ما هو مألوف، إذ إن الملّاكين يفهمون تماماً شريعة العرض والطلب المعتمدة في وطن الفلتان الاقتصادي. ثم قام المزارعون، بناءً على الشريعة ذاتها، بزراعة القمح الطري الملائم للخبز والقليل المقاومة للبرد. أتت العاصفة وأتلفت ما أتلفته من قمح، وتعالت صرخات المزارعين الذين دفعوا ضعف سعر ضمان الأرض لتحقيق نصف الإنتاج المعتاد (حسب تقديراتهم)، ما سيجعلهم في نهاية الموسم أفقر مما كانوا عليه في بدايته.
كيف تحولت الفرصة الذهبية لتحقيق الربح وتحسين العيش إلى كارثة؟ الجواب بسيط: من الصعب استثمار الفرص في البلدان التي تفتقر إلى الحد الأدنى من سياسات تنظّم وتضبط القطاعات الاقتصادية. وفي حالة مزارعي القمح تقع السياسات المفقودة تحت ثلاثة عناوين: أولاً غياب أي ضابط لأسعار الأراضي الزراعية وإيجاراتها، ما يجعل فرص إنعاش القطاع الزراعي شبه معدومة، وخصوصاً في بلد مبنيّ على تفاوت الملكية والتي يملك فيها 0,1 % من المواطنين 50% من الأراضي! ثانياً: غياب الإرشاد الزراعي وضعف الأبحاث الزراعية، ما يجعل المزارع يتّكل على القطاع الخاص أو على الفطرة للتطور التكنولوجي، وثالثاً: غياب أي نوع من أنواع التأمين الذي يكفل حداً أدنى من الدخل للمزارعين في حال وقوع كارثة.
اتّكل المزارعون على شريعة العرض والطلب ومبدأ السوق الحرة في وطن الرأسمالية المتوحّشة، وهم كبهلوان السيرك الذي يقوم بعرضه من دون شبكة أمان، فأصبحت «الوقعة بتكسر الظهر».