strong>نديم فرج الله *
تسمح كمية الأمطار السنوية الهاطلة في لبنان بتصنيفه بين أغنى دول الشرق الأوسط في موارد المياه. لكن هذا التصنيف خاطئ تماماً، لأنّ دولاً أخرى، مثل العراق وسوريا ومصر وإيران وتركيا، تسبق لبنان حالياً بأشواط في ما يتعلق بحصة الفرد من المياه العذبة المتجددة سنوياً. وبغياب المعلومات الدقيقة المتعلقة بموارد المياه السطحية، وتلك الجوفية في لبنان، لا تتوافر عنها سوى تخمينات تقديرية.
إنّ جنوب لبنان غنيّ بموارد المياه التي تزخر بها الأنهار الرئيسية وموارد المياه الجوفية المهمة والجداول والينابيع الأساسية التي تتدفق بشكل غزير في الشتاء والربيع. لكن ثمة موارد مائية تجري إلى خارج لبنان أو يتقاسمها لبنان مع دول مجاورة، وأشهرها على الإطلاق نهر الحاصباني، وهو أحد منابع نهر الأردن. كما تشتهر أيضاً منطقة مزارع شبعا، وهي منطقة التزوّد بالنسبة إلى بعض الطبقات الصخرية المائية الجوفية الممتدة تحت حدود لبنان مع جارَيه جنوباً وشرقاً. وهناك أيضاً الطبقات الصخرية المائية الجوفية التي لا تقل أهمية عن الأولى، ولو لم تعرف الشهرة ذاتها، وهي تلك الواقعة في أقصى جنوب غرب منطقة شبعا وفي شمالها. وعلى امتداد الحدود من رأس الناقورة إلى بنت جبيل وشمالاً إلى تبنين، ثمة طبقات جيولوجية معتدلة العمق تتمتع بالقدرة على تخزين كميات كبيرة من المياه. وإلى شرق هذه التكونات، تقوم طبقات صخرية مائية ضحلة نسبياً تمتلك مخزوناً مائياً أضخم بعدُ. وأخيراً، ثمة طبقة صخرية مائية على طول محيط جبل الشيخ، طبقة مشتركة بين لبنان وسوريا تقع في منطقة تمتد من شمال مرجعيون إلى شمال شرق راشيا. والسخرية في هذه المسألة هي أنّ المياه الجوفية العائدة إلى كل التكونات المذكورة تتدفق عموماً إلى خارج لبنان!
بالإضافة إلى المشكلة الوطنية المتمثلة بسوء إدارة المياه، اضطُر الجنوب إلى الخضوع للمشاريع التي وضعتها إسرائيل لموارده المائية. فمنذ نشوء إسرائيل في أواخر الأربعينيات، حاولت هي ومناصروها تحويل مياه نهرَي الليطاني والحاصباني. فوضع المشروع الأول السيد إيونيدس (Mr.Ionides) في عام 1939، وقد خطط لاستخدام مياه الحاصباني فقط. أما «المخططون» اللاحقون، أمثال لاوديرملك (Lowdermilk) ثم هايز (Hays) عام 1948، فقد رأوا أنّ مياه الليطاني تدخل ضمن مقدار الـ 400 مليون متر مكعب العائدة إلى إسرائيل سنوياً. وواجه العرب المشاريع الإسرائيلية بمشاريعهم الخاصة التي وضعها ماكدونالد (McDonald) ولاحقاً بانغر (Bunger)، وقد استثنت مياه الليطاني. وعلى أثر توتر حاد ساد عام 1953 حول تقاسم مياه نهر الأردن، اقترح مفاوض أميركي، هو أيريك جونستون (Eric Johnston)، مشروعاً لتقاسم المياه بين الدول القائمة على ضفاف النهر (لبنان والأردن وسوريا وإسرائيل) أعطى لبنان فقط 35 مليون متر مكعب من مياه الحاصباني (وفقاً لما ذكر في كتاب Isaac and Hosh (إيزاك وهوش) الصادر عام 1992). لم يثمر أي من هذه المشاريع؛ لكن الدول الواقعة على ضفاف نهر الأردن ومنابعه استخدمت مشروع جونستون (المنشور عام 1955) بشكل غير رسمي. غير أنّ إسرائيل، إبّان احتلالها لبنان، أحكمت المراقبة على استخدام مياه الحاصباني وينابيع الوزاني، بالإضافة إلى أنّها منعت المزارعين من حفر الآبار للاستخدام الشخصي لكي لا يؤثر ذلك في كمية المياه الجوفية التي تتدفق إلى شمال إسرائيل. وبعد تحرير الجنوب، بدأ اللبنانيون بضخ نحو 10 ملايين متر مكعب من المياه سنوياً من ينابيع الوزاني لكي توزَّع على القرى التي لم تستطع استخدام هذه المياه في السابق. ومع أنّ هذه القرى تقع ضمن حوض الوزاني/الحاصباني، ومع أنّ المقدار الذي يُضخ يبلغ أقل من 30% من الكمية الممنوحة للبنان في مشروع جونستون، هددت إسرائيل بقصف محطة الضخ. وبعد تدخل الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوروبا، وتهديد حزب الله بالرد على أيّ اعتداء إسرائيلي، سُمح للبنانيين بالاستمرار بضخ المياه.
خلاصة القول، على الرغم من أنّ الجنوب يملك موارد مياه تكفي حاجاته، يستمر أهل الجنوب، وسيستمرون، بالمعاناة من نقص في مخزونهم بسبب سوء إدارة موارد المياه وخسارة المياه لمصلحة إسرائيل. وبالتالي، تقتضي إدارة موارد المياه تفعيل سياسة مناسبة، مثل الحد من الهدر، استهلاك كميات أقل من المياه، خصوصاً في الزراعة من خلال استعمال الري بالتنقيط والرش، حجز مياه الوديان في الشتاء والربيع واستعمالها في أيام الشح، إعادة استعمال المياه المبتذلة بعد تكريرها، إلخ.
وإلى أن يُتَوَصَّل إلى اتفاق نهائي يتعلق بمشاركة المياه بين لبنان وجيرانه، من المهم استخدام مياه الحاصباني/الوزاني كاملاً ضمن حدود الـ 35 مليون متر مكعب سنوياً المنصوص عليها في مشروع جونستون.
* خبير وباحث
في الموارد المائية
كلية الزراعة والعلوم الغذائية
الجامعة الأميركية في بيروت


مياهنا بالأرقام

إلى جانب نهر الليطاني ـــــ القاسمية الذي يبلغ معدل تدفقه السنوي ما يقارب 275 مليون متر مكعب، تمتلك منطقة الجنوب نهر الزهراني الذي يناهز معدل تدفقه السنوي 40 مليون متر مكعب، ونهر الحاصباني الذي يصل معدل تدفقه السنوي إلى حوالى 150 مليون متر مكعب.
وبالإضافة إلى المياه السطحية، تشمل موارد مياه الجنوب الجوفية التي تُجر مياهها ثلاثةَ ينابيع رئيسة هي: نبع الوزاني الذي يقدم سنوياً معدلاً يراوح بين 30 و190 مليون متر مكعب من المياه؛ وينابيع رأس العين التي تغذي منطقة صور بحوالى 40 مليون متر مكعب سنوياً، ونبع الطاسة الذي ينتج معدلاً سنوياً يراوح بين 16 و30 مليون متر مكعب.
أضف إلى ذلك أنّ المنطقة تحوي حوالى 120 بئراً خاصة وعاماً تُستخدم مياهاً للشفة وللري وللصناعة.
ويتناثر في المنطقة العديد من برك الري، لكن لا يُعرف بعدُ عددها ولا قدراتها التخزينية.
أما مورد المياه الذي لم تُجَرَّ مياهه بعد فيتألف من الجداول
العديدة التي تتقاطع في المنطقة.
وقد أظهرت دراسة حديثة أنّ حوالى 130 مليون متر مكعب من المياه يمكن استخراجها سنوياً من وادي العزية وحده.