أنطون سعد
على رغم كل ما جرى منذ مغادرة الرئيس السابق إميل لحود قصر بعبدا والتصعيد في المواقف والأجواء السلبية المخيمة على البلاد، لا تزال الدوائر المحيطة بالمرشح الرئاسي العماد ميشال سليمان مقتنعة بأنه لا تزال هناك فرصة لا بأس بها لإجراء الانتخابات الرئاسية.
وتبني هذه الدوائر موقفها على معطيات متوافرة لديها بعضها منذ فترة تتجاوز شهراً هي الآتية:
- أولاً، إن المعارضة، على رغم كل ما تشيعه الأوساط الدائرة في فلكها، وبخاصة بعض قادتها غير الأساسيين، تبدو مستعدة لتأمين نصاب جلسة الانتخابات الرئاسية وحتى الاقتراع للعماد سليمان إذا حصلت على مطلب الثلث المعطّل وضمانة عدم إسقاط الحكومة العتيدة قبل إجراء الانتخابات التشريعية العامة في ربيع عام 2009، إضافةً إلى التوافق على قانون للانتخاب يعتمد القضاء دائرة انتخابية. كما أن ما توافق عليه وزراء الخارجية العرب المجتمعون في السابع والعشرين من الشهر الماضي بشأن طريقة مقاربة موضوع البيان الوزاري سهّل العديد من المسائل الشائكة التي كان يمكن أن تُطرح لدى تجاوز عقدة الثلث المعطّل.
- ثانياً، ثمة تأكيدات وردت إليها من مراجع دولية أن سوريا على رغم مواقف بعض حلفائها في لبنان، لم تعلن تراجعها عن تأييد انتخاب سليمان. هذا لا يعني أنها لا تقبل التداول باسم آخر، وثمة من يقول إنها تتداول بثلاثة أخرى هم الوزيران السابقان جان عبيد، فارس بويز، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لكنها لم تبلغ، على الأقل حتى الآن، حد التخلي عنه.
- ثالثاً، ليس من السهل على المعارضة والموالاة على حد سواء، إعلان تراجعهما عن اعتبار سليمان مرشحاً توافقياً، وبالتالي عن تأمين النصاب لانتخابه لأن ثمة مسؤولية معنوية كبيرة على الطرف المبادر إلى ذلك.
وفي هذا الإطار، تبدي بعض الأوساط المراقبة القريبة من قوى الرابع عشر من آذار خشيتها من أن تكون الحملة التي شنها الوزير السابق سليمان فرنجية على البطريرك الماروني نصر الله صفير ترمي إلى إحراجه ومحاولة تعطيل إمكان تصديه بقوة لخيار إسقاط العماد سليمان مرشحاً توافقياً وبالتالي إطالة أمد الفراغ الرئاسي إلى أجل غير مسمّى وبالتحديد إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
- رابعاً، لم تمسّ الأحداث الأخيرة صدقية العماد سليمان وفي هذا الإطار يعتقد المراقبون المحايدون أن الجيش كمؤسسة برمتها، هو الخاسر الوحيد، فيما تمكنت الموالاة والمعارضة من تبادل تسجيل بعض النقاط.
فالموالاة تمكّنت في ذلك التوقيت بالذات من إحباط كل محاولة لتصوير الحكومة غير قادرة على الإمساك بالوضع الميداني من غير أن تكون هي في الواجهة، والمعارضة التي دفعت من لحمها الحي قبضت أثماناً سياسية باهظة، ولا سيما من خلال تمكنها من الظهور بمظهر الضحية، وفي الوقت نفسه الطرف السياسي المؤذي لمن يعترض طريقه.
أمّا الجيش، فهيبته قد مسّت من خلال توقيف عدد من ضباطه الذين سوف يفكرون ملياً، بعد اليوم، قبل تنفيذ أي مهمة دقيقة يمكن أن تنطوي على استعمال القوة لحماية منطقة أو قانون.
أمّا القرار الأهم الذي يبدو العماد سليمان قد أخذه في الآونة الأخيرة، فهو العودة إلى الانكباب على الأمور الداخلية للمؤسسة العسكرية، ولا سيما محاولة التصدي للاستياء الذي يشعر به بعض الضباط الكبار من جراء تحول المؤسسة العسكرية إلى كبش محرقة للنزاع الدائر بين المعارضة والموالاة.
وقد بلغ القيادة أن هؤلاء الضباط يرون أن ترشيح قائدهم الذي كان يؤمل منه أن يكون عاملاً لنزع فتيل التفجير يكاد أن يصبح عاملاً لتوريط المؤسسة العسكرية في النزاع الدائر.
لذلك ارتأى سليمان أن يلتقي في الأيام الماضية قادة الوحدات الكبرى وضباطها كي يشرح لهم ما يجري وأهمية استكمال التحقيقات حتى نهايتها تأكيداً على مناقبية الجيش وحياده واحترافه وصوناً للعيش المشترك والسلم الأهلي.
وحاول قائد الجيش في هذه اللقاءات أن يحافظ على معنويات الضباط بعد النكسة عبر تأكيده على أن الحياد لا يعني تخلي العسكريين عن دورهم في متابعة تنفيذ المهمات.
وتبدي أوساط مراقبة قريبة من قيادة الجيش اعتقادها بأن العماد سليمان سيعود إلى التمسك في شكل متزمّت بمبدأ حياد المؤسسة العسكرية والابتعاد عن دائرة الضوء والتعاطي بالشؤون السياسية وفق ما درج عليه مدة التسع سنوات الماضية.