غسان سعود
لم تصل العلاقة يوماً بين البطريرك نصر الله صفير ورئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة إلى هذا الحدِّ من السوء. فمنذ خرج السوريون، يستمر تدهور العلاقة، وكان أول الغيث تخلّي البطرك عن قانون القضاء الانتخابي الذي دفع فرنجية ثمن تمسكه به إرضاءً للبطرك، خلافاً مع الرئيس رفيق الحريري. وتراكم شعور الغيظ عند فرنجية من البطرك خلال السنوات الثلاث الماضية، مما أخرج الوزير السابق عن طوره وجعله ينطق بكلام شديد الحدة ضد سيد بكركي، وفي كل مرة كان العماد ميشال عون والمطران سمير مظلوم يسارعان إلى التدخل مع «صيّاد الغزلان» لينفّسا احتقانه، متّكلين على توضيح صفير لمواقفه. لكن المعلوم والمكتوم من التطورات دفعا بالزعيم الزغرتاوي إلى إغلاق باب التفاهم نهائياً مع صفير والمطالبة بتغيير الجالس في كرسي بكركي. ويقول فرنجية إنه لمس إثر ردّه السابق على البطرك «تجاوباً كبيراً في الأوساط المسيحية العلمانية والروحيّة»، غير أنه رضخ لرغبة بعض الأساقفة وتمنيات السفارة البابويّة، وتذرع ببيان المطارنة الهادئ بعد اجتماعهم الاستثنائي يومي 18 و19 كانون الثاني لوقف التصعيد ضد البطريرك، الذي واصل في عظاته وتصريحاته انتقاد ما يراه خطراً على لبنان.
وأتى بيان المطارنة الأخير المحذِّر من مخطط للنيل من الكنيسة، ليصبَّ النار على زيت فرنجية المخبّأ. فكان بيان أول من أمس، البلاغ الرقم 1، وحرص فرنجية على كتابته بنفسه، وفيه سرد لمحطات بكركويّة تذكّر اللبنانيين «بمن أضعف دور الكنيسة وهمّش المسيحيين ويأّس اللبنانيين»، من تغطية دخول الجيش السوري في 13 تشرين الأول 1990 إلى قصر الرئاسة الأولى في بعبدا، إلى تغطية اتفاق الطائف (الذي جرَّد رئيس الجمهورية من صلاحياته)، مروراً باعتراف سيّد الصرح بمجلس 1992 النيابي بعد مقاطعته سنة كاملة، وتغطية التمديد للرئيس الراحل الياس الهراوي عام 1995 بعد الاجتماع في السفارة البابوية مع وليد جنبلاط الذي رفض أن يزور بكركي وأعطي لاحقاً صك براءة باسم مهجّري الجبل وهم لا يزالون مهجرين، وصولاً إلى اعتراف صفير عام 2006 بأنه بات للمسيحيين ممثلٌ قويّ قبل أن يغض البطرك نفسه النظر عن عدم إشراك هذا الممثل أو مشاركته في الحكومة.
وإذ يذكّر فرنجية في بيانه بعدم تكليف سيّد بكركي نفسه الادعاء على قاتل المونسنيور خريش أو على الأقل الإصرار على كشفه، يشير إلى دور البطريرك المتفرج على التقاتل المسيحي ـــــ المسيحي الذي شهدته الطائفة، وينتهي بالتمني أن تعود الكنيسة «بيتاً للصلاة لا مغارة لبعض
اللصوص». وفيما يقول أحد أركان بنشعي إن ورقة أمس أشبه ببيان تأسيسي للقاء مسيحي واسع، يتصدى لتغطية بكركي تهميش المسيحيين، ويكون قادراً على اختراق آذان الفاتيكان، يبتسم المصدر، وبحماسة يقول: «ثمة ملفات كثيرة محفوظة في بنشعي، قادرة على إقناع المسيحيين بصوابية الانتفاض على مرجعيتهم الكنسيّة». هل تهددون بكركي؟ يُسأل المصدر، فيجيب: «فلتستعد بكركي موقعها، ولن تمسَّ قدسيتها».