strong>عفيف دياب
• خلافاتنا صدى لصراعات إقليميّة ودوليّة ولم نعد نملك خشبة خلاص

يرفض الفريق المحايد في لبنان أن يكون صوتاً مع الموالاة أو أخواتها في المعارضة، فهو لم يجد سوى سلاح الصمت للتعبير عن رفضه للواقع، بعدما استفحل الصراع على السلطة الذي أصبح خطراً يتهدد مصير البلاد وشعبها. فالخلاف الدائر بين قوى الموالاة والمعارضة ما هو إلا صدى لخلافات إقليميّة ودوليّة يجد فيه المحايدون حرباً أهلية جديدة يأمل أن لا تندلع دموياً

«أيها المسؤولون أنتم لا تمثلوننا.. أحبطتم تفاؤلنا وهزمتم حلمنا. أصبحنا نرى أنكم لستم مختلفين بل متفقون على إنهاء البلد. لقد مللناكم ومللنا خطاباتكم التي ما زلتم ترددونها منذ ثلاث سنوات».
بهذه الكلمات يفكّ وليد مرسل اعتصامه بالصمت المستمر منذ سنة ونصف. يتحدث بأسى عن حال البلاد وسَوقها نحو حرب أهلية جديدة : «غريب أمر الزعماء، كلهم يتبادلون اتهامات الخيانة. وغريب أمر شعبنا كيف يرضى أن يمشي وراء خونة.
لقد سئمنا خطاباتهم. يريدوننا وقوداً لحرب أهلية جديدة. آن الأوان أن نكسر حواجز الصمت ونقول لهم كفى! لقد تعبنا من شعاراتهم، معظم الشعب اللبناني فقد ثقته بمن يتولّون أمره. إن الزعماء اللبنانيين لا يشعرون بما نشعر به من وجع وجوع وبرد».
«كفى»، كلمة يرددها أيضاً الأستاذ الجامعي خالد خطيب و«عند الموالاة والمعارضة ما يكفي لتأييسنا. في تاريخ أغلبيتهم الميل نحو العنف ميل فطري. لم تعد شعاراتهم محقة، أو بالأحرى لم تكن يوماً محقة، بل هي ارتداد لما يجري في محيطنا. إنهم يتصارعون من أجل سلطة لا هوية وطنية لها».
ويضيف: «لم أجد في قوى الصراع المحلي سوى تهديد جديد للبنان. إنهم أدوات للخارج، وأخاف أن نكون وقوداً لحرب جديدة، أغلبيتنا في لبنان نرفضها».
الخوف من حرب أهلية لم يعد هاجساً، بل أصبح واقعاً نعيشه يومياً في هذه المنطقة أو تلك»، تقول السيدة ليلى أبو حسن، التي فرضت على أولادها الشباب الهجرة قبل نحو عام، لأنها لا تريد لهم أن يعيشوا ما عاشته هي طيلة الحروب السابقة : «أنا لست مع 8 أو 14 آذار، ولا حتى مع القوة الثالثة. لقد تعبنا من انقساماتهم وخطاباتهم التي تخيفنا كل يوم. لم أعد أستطيع تحمل مشاهد الدمار والدماء. ألا يحق لي أن أعيش مع أولادي بهدوء وسلام؟».
«خليني ساكت أحسن. لشو الحكي»، نضال خالد يكتفي بهذا القدر من الكلام: «رزقت طفلة ولا أدري ماذا سأترك لها. أحسدها لأنها لا تعرف ماذا يجري في البلد». تفضيل خالد الصمت انسحب أيضاً على جورج عبدو الذي قرف من السياسة والسياسيين في لبنان : «لا يوجد مكان لنا هنا، ربما نحن القوة الكبرى اليوم التي تعلن بصمتها رفضها لما يجري. لم يتركوا لنا مجالاً للكلام، ولا أحد يسمعنا، ووسائل الإعلام ليست محايدة لتعبّر عن حجم هذه الكتلة الشعبية الصامته في لبنان».
«كفى»، يؤكدها أيضاً الأستاذ الجامعي الدكتور فؤاد خليل، الذي أصبح على اقتناع بأن «لا مستقبل للبنان مع الطبقة السياسية الحالية المستنسخة.
فالأزمة في لبنان ليست أزمة رئاسة جمهورية أو حكومة، بل هي أزمة خيارات تطاول موقع البلد الذي حولته الطوائف أو المشاعية الحديثة إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي»، مشدداً على أن «خلاص البلد هو بنظام سياسي عابر للطوائف أو بالأحرى نظام علماني صرف.
أصحاب هذا الاقتناع يمثّلون اليوم أكبر تيار في لبنان، وإن لم يجد مساحة للتعبير في ظل صراع الموالاة والمعارضة وهيمنتهما على وسائل الإعلام».
الكلام المباح لا يجده أبو وليد جبارة (72 عاماً) مناسباً أو مسموعاً: «إنهم يريدون مصادرة البلد إلى حيث يطلب منهم الخارج. أمضيت عمري أناضل من أجل لبنان عربي وعلماني، وفي ظل صراع الطوائف أو جاهلية الطوائف اللبنانية، على الإنسان أن يعتصم بالصمت ويحافظ على مبادئه. وأعتقد بأن أغلبية الشعب اللبناني أصبحت تفضّل السكوت تعبيراً عن رفضها لما يحاولون فرضه بذرائع مزوّرة، وكلّه إنتاج الخارج».
«أفضل أن أبقى صامتاً»، قال المسرحي والشاعر عمر سلوم الرافض لكل ما يجري : «أحسن يبقى الواحد ساكت بهالإيام. وإذا حكينا مين راح يسمعنا، ما تركوا مجال للحكي».
ويتابع عمر : «لقد أخذوا كل الكلام، لم يعد لنا من مطرح. لقد أصبحنا فئة مهمّشة، ولا أحد يسأل عنها، أو أننا فضّلنا التهميش على تفعيل دورنا.. أصوات القوى الطائفية أقوى، فهي تملك كل الإمكانات المالية، وخطاب الغرائز، للأسف، يجد تربة خصبة في مجتمعنا الذي أصبح معسكرات تتصارع على رئاسة هنا أو هنالك، وعلى مقعد وزاري أو منصب ما في سلطة بات نظامها السياسي منتجاً للحروب والانقسامات (...) بلا حكي أحسن. لم نعد نملك خشبة خلاص».
وعلى الرغم من انعدام الثقة بين المواطنين والطبقة السياسية القائمة حالياً، إلّا أن ذلك لا يمنع من انشداد المواطن إلى قواعده الطائفية، وخاصة مع غياب أي قاعدة فعلية لقوى محايدة بعيدة عن التجاذب القائم حالياً، الذي يشاهد المواطن كيف يدفعه دفعاً نحو الحرب الأهلية المدمرة، إضافة إلى ارتباط نظام الخدمات من أبسطها إلى أهمها بالانتماء الطائفي والسياسي تباعاً، وبالتالي ربط كل مواطن بمن لا ثقة له به من قيادات سياسية.

القوّة المجهولة


الكتلة الشعبية الصامتة، وهي ولا شك أغلب اللبنانيين، سواء من الذين احتشدوا يوم 14 آذار أو الثامن منه عام 2005، وأصيبوا بخيبات أمل، هي اليوم قوة مجهولة يدعوها حكمت شريف إلى الإعلان عن وجودها و«كفى صمتاً. آن الأوان لأن نقول موقفنا الرافض للواقع السياسي القائم على التقاسم الطائفي والمذهبي والقبلي. علينا أن نتوحد كمجموعات صامتة لإنقاذ البلد مما يحضّر له من حرب أهلية جديدة. لم أعد مقتنعاً بما تقوله الموالاة والمعارضة. وهذا لا يعني أنني ضد السيادة والاستقلال والمقاومة، التي هي بالنسبة إليّ قيمٌ لا تُمسّ. لقد أصبحوا عراة أمام الشعب، أو بالحد الأدنى أمام الفئة الصامتة. فالأزمة ليست أزمة رئاسة، بل هي صراع إقليمي على أرضنا ونحن أدواته».