رشا حطيط
تهتمّ خادمات المنازل بأكثر شرائح الأسر أهمية، مثل الأطفال وكبار السن، فيما يدّعي عدد من الحكومات بأن من المحال النظر إلى العمل المنزلي كغيره من الأعمال، رغم أن دولاً عديدة أحرزت تقدماً في هذا المجال. أما في لبنان،فتبقى خادمات المنازل من دون قانون يحمي حقوقهن

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على إصدار منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرها عن الاستغلال الذي تتعرض له النساء السيريلنكيات العاملات في لبنان والسعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، التقت «الأخبار» الباحثة الرئيسة في قسم حقوق المرأة في «هيومن رايتس ووتش» نيشا فاريا وحاورتها للوقوف على المتغيرات التي شهدتها هذه الدول، وخاصة لبنان، خلال الأشهر الماضية، وكان الحوار الآتي:
• بعد إصدار التقرير الأخير، هل طرأ أي تعديل على القوانين لتحسين شروط عمل خادمات المنازل، وفي أية دول؟
ـــ إن الخدمة المنزلية غير متضمنة في قوانين العمل في كل من السعودية والكويت ولبنان والإمارات العربية المتحدة. هذا يعني أن خادمات المنازل لا يحصلن على الحماية نفسها التي يحصل عليها غيرهن من العمال، ويفقدن عدداً من حقوقهن، مثل يوم عطلة أسبوعي أو عدد محدد من ساعات العمل اليومي أو إمكان التقدم بشكوى أمام محكمة العمل في حال وقوع أي خلاف. الإمارات العربية المتحدة أعلنت منذ فترة وجيزة العمل على وضع قانون جديد لخدم المنازل، لكنها لم تحدد جدولاً زمنياً لتقديم اقتراح القانون ولم تحدد إجراءات الحماية التي ستتخذها. أما السعودية فقد اقترحت ملحقاً لقانون العمل يزيد حماية حقوق عمال المنازل، ولكنه لم ينجز بعد. وفي لبنان، هناك لجنة تعمل على تنظيم عقد عمل جماعي. ورغم كونها خطوة إيجابية، يبقى عقد العمل الجماعي أضعف من القانون، وتصعب مراقبة تطبيقه. هذه اللجنة ستعمل أيضاً على اقتراح قانون يخص خدم المنازل، لكن لا توجد أي نقاشات جدية حتى الآن. لذا في مقارنة مع بلدان أخرى، يتبين أن لبنان متأخر في مبادراته.
• في ما يخص لبنان، بعد حرب تموز 2006، حدّت السفارة السيريلنكية من هجرة رعاياها الى لبنان، هل هناك أية خطة لإعادة النظر في شروط عمل السيريلنكيين قبل إعادة فتح باب التوظيف؟
ـــ لست على علم بأية خطة محددة من الحكومة اللبنانية أو السيريلنكية للعمل على تحسين شروط العمل المطلوبة لإعادة فتح أبواب التوظيف. لكن الخطوات المطلوبة لتحسين شروط عمل هؤلاء العمال واضحة: إخضاع خدم المنازل لقانون العمل والحرص على تطبيقه، وتعديل أو إلغاء نظام الرعاية كي لا تكون تأشيرات سفر الموظفين متعلقة بوكلائهم، ومعاقبة أرباب العمل الذين يستغلون موظفيهم أو يمتنعون عن دفع أجورهم، وتوفير متابعة قضائية وخدماتية للنساء المهاجرات في حال تعرضهن لاعتداء. سجلنا، وغيرنا من المنظمات، مشكلة أساسية وهي وعد خادمات المنازل بأجور خلال فترة طلب التوظيف، لكنهن يجبرن على القبول بأجور أقل بكثير بعد وصولهن الى لبنان. ومن أكثر الإصلاحات أهمية التأكد من أن العاملات يأخذن الأجر الموعود، وذلك بطريقة شهرية، من دون تأخير. ولا بد من الإشارة إلى أن إساءة بعض أرباب العمل اللبنانيين معاملة الموظفات، أو تخلفهم عن دفع أجورهن، يعطي أرباب العمل الآخرين مثالاً سيئاً.
• ذكر التقرير حججاً أساسية استخدمها أصحاب العمل لتبرير سلوكهم الاستغلالي، مثل إقفال الأبواب حفاظاً على سلامة «العاملة». هل هناك مقترحات معينة لحملة توعية، أو خطط عملية لتحسين سلوك أصحاب العمل بعيداً عن المتغيرات التشريعية؟
ـــ هناك العديد من المفاهيم الخاطئة والأفكار المسبقة عن خادمات المنازل، والنوع المقبول من سلوك صاحب العمل. إن دفع أتعاب توظيف كبيرة للعاملة لا يسمح لصاحب العمل بمصادرة جواز سفرها أو منعها من السفر. كما أن قدوم المرأة إلى لبنان من أجل كسب المال لا يعني أن بإمكان صاحب المنزل إجبارها على العمل يومياً من الصباح حتى المساء لعدة سنين، فالراحة والتفاعل الاجتماعي حق لكل إنسان. إن الدولة لم تقم بأي حملات توعية لتغيير سلوك أصحاب العمل. إن معاقبة المسيئين من أصحاب العمل وإجبارهم على دفع الغرامات هو أمر آخر وبغاية الأهمية من أجل إيصال الرسالة بأن مثل هذا السلوك غير مقبول.
• لا توجد في لبنان أية إحصاءات رسمية عن العنف المنزلي، وقد يكون السبب هو العوامل الاجتماعية التي تؤثّر على التبليغ عن تلك الحالات، كيف يعمل قسم حقوق المرأة من أجل تحسين وضع المرأة في مثل تلك الحالات؟ وما هي البدائل المقترحة لاحتساب هذه الحالات؟
ـــ لم نعمل على موضوع العنف المنزلي في لبنان، إلا أننا اختبرنا هذا الموضوع في عدد من البلدان. إن هذا الموضوع في أغلب الأحيان هو موضوع خفي، والخطوة الأولى تكون عبر الاعتراف بأن هذا النوع من الاستغلال يحدث في جميع المجتمعات، وألا يتم إنكاره. إن رفع مستوى الوعي هو المفتاح لأن هناك العديد من الناس لا يرون أن الإهانة أو الصفعة هي استغلال. هناك خطوات يجب أن يتم اتخاذها مثل تدريب الشرطة على كيفية التعامل مع العنف المنزلي، وإنشاء خطوط ساخنة تستطيع المرأة من خلالها التبليغ والشكوى عن مشكلتها، إضافة الى تأمين منازل آمنة للنساء اللاتي لا يملكن مكاناً للذهاب إليه، وتأمين حماية ودعم قانونيين للضحايا ومعاقبة المعتدين.
• كيف يعمل ناشطو هيومن رايتس ووتش من أجل تخفيف أو منع استغلال المرأة في المنزل أو العمل؟
ـــ نحن نقابل من تعرّضوا لعنف المنزلي بهدف توثيق هذه المشاكل، ومن ثم نتحقق مما إذا كانت الحكومة تقوم باتخاذ التصرف المناسب لمنع العنف. نحن نحاول رفع مستوى الوعي حول هذه القضايا بواسطة وسائل الإعلام ولدفع الحكومات لتحسين حمايتها لهؤلاء.



«بضاعة» متوافرة وغيرها «مقطوع»

تبدأ مظاهر الاستغلال الذي تتعرّض له خادمات المنازل في قاعة الاستقبال في مطار رفيق الحريري الدولي: تخفت الإضاءة وتغيب المقاعد كلما اقترب المرء من الجهة اليسرى من القاعة: الجناح المخصص لاستقبال الخدم. أمام «شباك» الأمن العام، عدد كبير من حقائب السفر والأكياس مرميّة على الأرض تنتظر أصحابها، إلى اليسار شريط أصفر يحد زاوية تعجّ بأصحاب الحقائب «المرميّين» كما أمتعتهم على الأرض، بانتظار كفيلهم، وغالباً ما يطول الانتظار.
أما قبل الوصول الى لبنان، ففي مكاتب التوظيف عرض وطلب، حسب الميزانية و«شو بتفضل؟». فبعد عمل الدولة السريلانكية على تحسين شروط عمل مواطناتها في لبنان، وذلك برفع الراتب الشهري من 100 إلى 130 أو 150 $ شهرياً، وبتوعية البعض على حقوقهن الأساسية قبل سفرهن إلى لبنان، أجمع عدد من المكاتب على تسويق «بضاعة أخرى»: «السريلانكية شو بدك فيها: بتوجع الراس، بنصحك بالأثيوبية، بتلقى دعك... فيك تعتّل عليها وما بتحكي». أما إذا كانت الميزانية مرتفعة، «فأرح نفسك وخذ فيليبينية، عندها تعرف أنك تركت شخصاً «بيفهم» في المنزل»... أما البنغلادشية، «فغبية» وفي النهاية، «الخادمة مثل البطيخة، لا نعرف لونها من الداخل. وإذا كانت جديدة أفضل، فصاحبات الخبرة يعرفن الكبيرة والصغيرة في القوانين، «بوجعوا الرأس». وشمل الإجماع الإجازة: «لا يوجد يوم عطلة، ونحن لا نقبل أن تخرج البنات على مزاجهن. نعطيك ضمانة»... وفي حال وقوع أي إشكال، نحن مرجعيتها: منجيبها ومنرصها هون بالمكتب أو على التليفون».