جان عزيز
تجزم أوساط واسعة الاطّلاع، بأن مساعي الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، لن توصل إلى أي نتيجة إيجابية في المدى المنظور، وبأن كل المبادرات المطروحة ستظل محكومة بالفشل وبمواجهة الحائط المسدود، حتى نيسان المقبل.
لماذا هذا التاريخ؟ وهل هو مرتبط بما بعد القمة العربية، أو بدخول واشنطن في مرحلة «السبرنت» الأخير من سباقها الانتخابي؟ تجيب الأوساط نفسها بأن المسألة منفصلة بالكامل عن ترقّب تلك الاستحقاقات، ومرتبطة حصراً، بالروزنامة المتخيّلة لدى فريق السلطة، حيال المحكمة الدولية وآلية عملها وجدوله الزمني.
وتشرح هذه الأوساط أن الموالاة في بيروت باتت منذ نحو ثلاثة أسابيع، في «أجواء» أخرى، وفي إطار من الحسابات السياسية، مغاير كلياً لما هو معلن. ذلك أنه منذ زيارة دايفيد ولش الأخيرة إلى بيروت، في 21 كانون الأول الماضي، تولّى أحد أبرز أركان الموالاة، شرح وجهة نظره الخاصة، وأصرّ على نقلها إلى الإدارة الأميركية والحصول على أجوبة واضحة عنها. وتقول وجهة النظر هذه، إن فريق السلطة في لبنان لم يعد في وسعه احتمال الستاتوكو القائم. وهو خصوصاً لا يقدر على انتظار التبدّل المرجوّ في موازين القوى الخارجية، الضاغط على الوضع اللبناني. وإزاء ذلك، بات هذا الفريق أمام خيار من اثنين: إمّا السعي إلى تسوية داخلية، وبدء التمهيد لها عبر مواقف انفتاحية، كما كان الركن الموالي قد بدأ يفعل. وإمّا صدور ضمانات خارجية حاسمة، بالسير في رؤية السلطة لكسر توازن القوى الداخلي، ما دامت التطورات الخارجية مؤجلة. وتشير الأوساط نفسها إلى أن هذه الرؤية كانت واضحة مفصّلة، وعنوانها الرهان على المحكمة الدولية لضرب المعارضة وتفريق صفوفها وزرع الرعب بين مكوّناتها. وحين لفت الأميركيون إلى أن آجال عمل هذه المحكمة متروكة لأعوام ثلاثة على الأقل، تولّت رؤية الموالاة الشرح، بأن المطلوب ليس انتظار أحكام مبرمة، ولا حتى انعقاد جلسات المحاكمة للمتهمين المفترضين، ولا حتى توجيه أي اتهامات أو ادعاءات. كل المطلوب خطوتان: أولاً إعلان قيام المحكمة عبر تأليف هيئاتها المختلفة. وثانياً الانتقال من التحقيق الجاري، إلى مرحلة التحقيق القضائي عبر الادعاء العام الدولي التابع للمحكمة المذكورة. وشرحت رؤية الموالاة، أنه مع تحقيق هاتين الخطوتين، يفترض طبيعياً أن يبادر المدعي العام الدولي إلى استدعاء الشهود، لمجرد إعطاء الإفادات والمعلومات. ومن المنطقي أكثر، أن يبدأ الادعاء باستدعاء الشهود السياسيين، على خلفية حرص المدعي العام على تكوين قراءة واضحة بشأن السياق السياسي الذي سبق أن رافق اغتيال رفيق الحريري وأعقبه. وهنا تفترض «رؤية» الموالاة أنه من الضروري حينذاك، استدعاء رئيس حكومة تلك المرحلة، وهو للمصادفة أحد الأركان المعارضين، كما استدعاء وزراء الدفاع والداخلية والإعلام، وهم للمصادفة نفسها من البارزين في المعارضة. حتى إن أحدهم ارتكب سهواً زلّة لسان في تصريح له آنذاك، تزكّي ضرورة الاستدعاء. ثم قد يكون من المفيد استدعاء وزيرين سابقين آخرين، أدليا بسلسلة تصريحات عنيفة ضد الحريري قبل اغتياله، لمجرّد تبيان خلفيّة تلك المواقف.
عند هذا الحد، توقعت «رؤية» الموالاة أن يدبّ الذعر في صفوف المعارضة، وأن يبدأ انفراط عقدها، بحيث لا يبقى في صلبها غير «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». وفي مرحلة ثانية، ترجّح الأوساط نفسها أن تبدأ في 14 شباط المقبل، تعمد الموالاة إلى رفع خطابها الاتهامي ضد «حزب الله»، والكلام علناً عن تورّط مزعوم له في بعض الاغتيالات السابقة. وذلك تمهيداً للضغط أكثر على آخر مكوّنين من مكونات المعارضة، من دون استبعاد الوصول حتى إلى استدعاءات من صفوف «الحزب»، أو حتى إلى بحث الادعاء العام الدولي في هوية «مستر إكس»، كمحاولة أخيرة من محاولات ضرب صفوف المعارضة. هكذا، وفي غضون أسابيع قليلة، يصير العماد ميشال عون معزولاً في معارضته. فبين انشغال حلفائه في «إفاداتهم»، وبين سلسلة التوترات الناشئة من حوله روحياً وعسكرياً، يصير من الممكن للموالاة السير في خطواتها الرئاسية، من دون أي قدرة معارضة على عرقلتها أو رفضها.
لكن من سينفّذ عملانياً طلبات استدعاء الشهود من جانب المدعي العام الدولي، إذا رفض المعنيون تلبيتها طوعاً؟ تجيب الأوساط المطّلعة، إن الجذور الكامنة للجواب عن هذا السؤال، قد لا تكون بعيدة عمّا حصل في مار مخايل يوم الأحد الأسود. فرؤية الموالاة نفسها، ترسم سيناريو لحالة حرب بين الجيش اللبناني والمعارضة، من الضروري أن تكون قائمة قبل نيسان المقبل، بما يسهّل لفريق السلطة تحريض البعض على التنفيذ، في مقابل كل «الموجبات» الدولية و«الوطنية».
ما هي حظوظ هذه «الرؤية» في النجاح؟ من الصعب التوقّع منذ الآن، لكن الأكيد أن نجاحين اثنين ستحقّقهما قبل موعدها وبعده: أولاً سقوط مبادرة موسى، وآخر جرّ لبنان إلى الكوارث.