جبيل ـ جوانّا عازار
هو كالسلحفاة التي تحمل بيتها على ظهرها، يحمل أمتعته في حقيبة ويجول حول العالم بالأوتوستوب، رافعاً راية الحفاظ على الطبيعة. إنّه الفرنسي أرنو ايدي ( 32 عاماً) الذي يقوم بتحدّ يقتضي بتحقيق جولة حول العالم دون أن يملك المال ودون أن يستقلّ الطائرة ودون أن يحمل هاتفاً محمولاً.
يقول ايدي الموجود في لبنان منذ ثلاثة أشهر: «أنا أحترم الطبيعة، والهدف من هذه الجولة هو الإثبات للعالم أنّ الطبيعة أكثر من مهمّة لصحّة جميع الناس، لكن في الوقت عينه أصبحت business».
يقوم ايدي بجمع المواد التي يمكن إعادة تدويرها من تنك الألومينيوم والمرطّبات الفارغة المرميّة على الطرقات ويبيعها بالكيلو إلى أشخاص من طرابلس وبيروت، وهم يرسلونها الى شركات تقوم بتدويرها، ومن الممكن أن يجمع في اليوم الواحد بين 20 و40 كيلو منها، بسعر دولار للكيلو الواحد. «في لبنان مثلاً مواطنون يعملون فعليّاً ستّة أيّام في الأسبوع لـ12 ساعة ليقبضوا 200 دولار في الشهر، لهؤلاء أقول لماذا لا تقومون بنشاط مماثل تدرّون من خلاله الخير على الطبيعة وتقبضون منه المال، أنا أقوم بهذا العمل من دون أن أمتلك سيّارة».
يعدّد ايدي فوائد ما يقوم به، فتدوير الألومينيوم قادر على توفير 95 بالمئة من إنتاج المادة الأوليّة للألومينيوم، بالرغم من إرسال الألومينيوم ليكرّر في الخارج: في اليابان، الهند، وفرنسا... فإنّ الفائدة على الطبيعة تبقى كبيرة جدّاً، وخاصّة أنّ صحّة معظم سكّان الأرض مهدّدة وهو يعطي مثلاً عن مدغشقر التي ظهر فيها السنة الماضية مرض ضرب أكثر من300 ألف شخص، بسبب الأوساخ التي تسللت الى مياه الشرب والخضر المستهلكة، من هنا ضرورة الاهتمام بقضيّة حماية الطبيعة».
ايدي الذي يحمل إجازة في علم التسويق، عمل في مؤسّسات مختصّة وهو في الأساس أستاذ في الغطس يسافر بحكم عمله بشكل متواصل منذ أكثر من عشر سنوات الى بلدان عدّة، منها المكسيك وكوستاريكا. لم يتزوج ايدي بعد، لأنه «لا يمكنني ذلك في ظلّ الحياة التي أعيشها، إلا أنّ السعادة ممكن أن تكون كاملة في الاستفادة من الحياة والقيام بالخير في الوقت عينه». وهو يصف نفسه بالطفل الذي يحلّ المشاكل التي تواجهه ببساطة وإيجابيّة.
يتقن ايدي اللغات: الفرنسية، الإسبانية، الألمانية، الإنكليزية، الإيطالية والبرتغالية، ويفهم العربيّة قليلاً ويقول «شوي شوي أنا أتعلم». انطلق منذ سنة من إسبانيا، حيث كان مشروعه في البداية القيام بجولة حول العالم بالأوتوستوب، إلا أنّه زاد على ذلك طابع حماية الطبيعة عندما كان في الأردن بعد أن آلمته مشاهدة الأوساخ على شاطئ البحر الميت.
يكتب ايدي يوميّاته التي ستظهر بعد 7 سنوات، الوقت المقررّ لإنهاء جولته، في كتاب خاصّ يذكر فيه تجاربه ومغامراته الصغيرة، ويراسل في الوقت عينه صحيفة إسبانية يتحدّث من خلالها عن المرحلة التي وصل إليها في مشروعه.
بعد إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، اليونان، تركيا، سوريا، الأردن، تونس، وسوريا، وصل ايدي الى لبنان، ذاكرا أنّه لم يستطع الذهاب الى ايران والسعوديّة بسبب مشاكل في تأشيرة الدخول. ويؤكّد أنّه سيزورهما لاحقاً عن طريق مصر، السودان، اثيوبيا، جيبوتي، اليمن وعمان. كان مقرراً أن يبقى في لبنان الى شهر كانون الأوّل، لكنّه سيبقى وقتاً إضافيّا لتحقيق عدد من الأمور الاضافيّة، منها إمكان العمل مع شركة للبيرة لتدوير زجاجها. وهو يعيش في خيمة على شاطئ Voile bleue في جبيل، حيث اتّفق مع صاحب المشروع على مراقبة المكان مساءً، ويسكن في غرفة صغيرة بسبب البرد والمطر في الفترة الأخيرة. يبدأ يومه العادي السابعة صباحا بالسباحة، ثمّ يتناول بعدها الفطور المكوّن من الشاي، الخضر والفواكه لينطلق بعد ذلك حاملاً الأكياس من النيلون الى الضيع اللبنانيّة، وقد زار حتّى الآن معظمها في قضاء جبيل والبترون ومنها دوما، تنورين، اللقلوق، شكا، عنايا... حيث يتوّجه اليها سيراً على الأقدام، موقفاً السيّارات لإكمال مشواره، قائلاً «يظهر النّاس كلّ اللطف في إيصالي ولا يتردّدون في سؤالي بتمعّن عمّا أقوم به». ويبقى نشاطه غير ثابت إذ انّه يتوقّف عن العمل في بعض الأيّام اذا كان يملك المال الكافي.
يقول ايدي انّ لديه مؤسسة اسبانيّة ترعاه تنتج أجهزة تدفئة أساسها الحطب لحماية الطبيعة، الا أنّه يعود ليكرّر أنّ أساس مشروعه أن يكون مستقلاً وأن ينجز الجولة دون أخذ المال من أحد. لكنّه يجد نفسه مضطرّاً للتعامل مع الأفرقاء الذين يملكون سلطة سياسيّة واقتصادية، ويبحث عن إمكانية أن يحظى برعاية مؤسسة كنديّة رائدة في مجال تدوير الألومينيوم، فضلاً عن رعاية المؤسسة الفرنسية التي اخترعت اخيراً السيارة في الهواء المضغوط، ويفكّر حتّى في احتمال تغيير طريقة جولته حول العالم من الأوتوستوب الى استعمال هذه السيّارة التي تحمي الطبيعة.
ورغم كلّ تعقيدات المشروع، يعيش ايدي في بساطة كبيرة، فهو يؤمن أنّه «إذا كان لدينا الإمكانية بالتصرف بإيجابية، فكل شيء يصبح ممكناً، وأنّ حمل الهموم يولّد طاقة سلبيّة تؤثّر علينا»، فهو بعد سبع سنوات سيطبع كتابه الخاصّ في إسبانيا، وإذا لم يتحققّ النجاح المتوخّى منه، فسيفتح مؤسّسة ايكولوجيّة له. وكما بدأ تحديّه من الأردن سينهي الجولة فيه.