حسن عليق
تمثّل كل إطلالة للزعماء اللبنانيين مناسبة لأنصارهم يستغلونها لتجربةأسلحتهم واستعراض «موجوداتهم» العسكرية، مُنزلة بالمواطنين وأرزاقهم أضراراً قد تكون قاتلة. وكان اللافت خلال الأسبوعين الفائتين تثبيت مناصري تيار «المستقبل» أقدامهم في ميدان الاستعراض المسلّح، وخاصة بعد حديث رئيس التيار عن الاستعداد للمواجهة. فهل من ضمانة لدى أحد لعدم استخدام السلاح في أكثر من الابتهاج؟

«شو علقت الحرب؟» سؤال ردّده مواطنون كثر مساء أول من أمس، بعد سماع رشقات النيران الشديدة الكثافة في بيروت وطرابلس والبقاع، التي استمرت أكثر من نصف ساعة. ارتفع مستوى الرعب البائن على الوجوه، وازدادت معه صعوبة الاتصالات الهاتفية. جولة على محطات التلفزة للتحقق من الأمر. لا أخبار عاجلة عن اشتباكات ولا نقل مباشراً. تضاعف الخوف مع غياب «الزعماء» عن الشاشات، قبل أن تنجلي الحقيقة بإطلالة النائب سعد الحريري المفاجئة عبر «أخبار المستقبل»، من دون أن يتوقف إطلاق النار.
ليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها السلاح «ابتهاجاً»، لكن مع ارتفاع مستوى التوتر في الخطاب السياسي، ارتفعت درجة خوف المواطنين، الذين يفرض ابتهاج المناصرين عليهم جواً من الرعب بالتزامن مع كل خطاب أو حديث تلفزيوني لأي من «زعماء الصف الأول». وهذه العادة لا تقتصر على مناصري «المستقبل»، فخلال الأسبوع الفائت، أطلِقَ الرصاص بكثافة في الضاحية الجنوبية «ابتهاجاً» بالظهور التلفزيوني للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون. لكن «استعراض» السلاح في بيروت والشمال والبقاع أول من أمس، يحمل أكثر من دلالة، لكونه أتى بعد كلام النائب سعد الحريري عن «الاستعداد للمواجهة». كما أنه غير مسبوق كمّاً ونوعاً، رغم سبقه بحالات مشابهة كاشتباك أبي سمرا بين «أفواج طرابلس» و«حركة التوحيد» يوم 27/11/2007، وإطلاق الرصاص في دير عمار يوم تشييع الرائد الشهيد وسام عيد، فضلاً عن «مناورة» عرمون قبل أسبوع، وهي الحوادث التي يؤكد مسؤولو تيار «المستقبل» عدم تغطيتهم لأيّ من مرتكبيها. ولاستخدام السلاح قراءتان: الأولى، ما تتهم به المعارضة الموالاة، بأن الأخيرة تحاول استدراجها لمعركة في الشارع تسقط معها شرعية المقاومة عن سلاح حزب الله. أمّا من جانب الموالاة، فيوضع استخدام السلاح في خانة الدفاع عن النفس بوجه من يريد «تدمير الدولة».
حصيلة أول من أمس
قبل بدء الحوار المتلفز مع الحريري، بدأ إطلاق كثيف للنار في مختلف أرجاء العاصمة، مذكّراً بما حدث يوم انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب عام 2005. انهمر الرصاص الطائش في مختلف أنحاء العاصمة وبعض أحياء الضواحي، وأصيب المجند في قوى الأمن الداخلي محمد جابر برصاصة في فخذه اليسرى، وهو يخدم ضمن سرية مجلس النواب، وكان يتولّى الحراسة في منطقة رياض الصلح ــ قرب مسجد الأمير منذر. شرطة مجلس النواب أصدرت بياناً ذكرت فيه أن «مبنى مجلس النواب تعرّض لسقوط عدد كبير من الرصاص من مختلف الأعيرة، نتيجة إطلاق النار بصورة عشوائية وادعاء الابتهاج في أنحاء مختلفة من العاصمة بيروت والمناطق». وأضاف البيان إن «قنبلة مولوتوف حارقة ألقيت من إحدى السيارات بمحاذاة مقر رئيس مجلس النواب في عين التينة، من دون أن تنتج منها أي أضرار أو إصابات». وإضافة إلى المجند المذكور، أفادت تقارير أمنية إصابة المواطن إيلي عطية (مواليد 1951) بجرح طفيف في صدره جراء سقوط رصاصة طائشة عليه، أثناء وجوده في الأشرفية، قرب مدرسة الحكمة، فنقل إلى مستشفى الروم.
أما في الشمال، فكان إطلاق الرصاص الغزير على مرأى ومسمع من القوى الأمنية التي لم تحرّك ساكناً، وألقيت قنابل يدوية في مجرى نهر أبو علي، فضلاً عن مفرقعات نارية لحظة إطلالة الحريري التلفزيونية مساء أول من أمس. وأدى رصاص الابتهاج إلى إصابة المواطن جمال العتّال برأسه في محلة باب الرمل بطرابلس، نقل على أثرها إلى مستشفى النيني. وأحدثت هذه التصرفات إرباكاً وانزعاجاً في أوساط المواطنين، رغم أنّ الحريري طالب أنصاره بالتوقّف عن ذلك، قائلاً إنّ «هذه الأمور ليست لنا».

إحراق وضرب في البسطة

بعد إطلاق النار والمفرقعات «ابتهاجاً» في شوارع بيروت، خرج عدد من الشبان في منطقة البسطة، وقطعوا الطريق معتدين بالضرب على شابين ومحطمين زجاج سيارة هيونداي كانت مركونة في شارع المأمون. بعدها مزّق الشبان صورة للرئيس الشهيد رفيق الحريري وللنائب سعد الحريري لا تبعد أكثر من خمسة أمتار عن ثكنة الشهيد عزمي الأيوبي (مركز فصيلة البسطة في قوى الأمن الداخلي). وقال أحد أفراد الفصيلة لـ«الأخبار» إن من مزّق صورة الحريري «شبان معروفون من جانبنا. أكثرهم من الزوّار الدائمين للمخفر، بسبب تعاطيهم «السيمو» والحبوب المهدئة». ووصف رجل الأمن محرقي الصورة بـ«الزعران»، مضيفاً «إنهم علّقوا صورة للسيد حسن نصر الله مكان الصورة المحروقة، لكن مسؤولين محليين من حزب الله حضروا على الفور ونزعوا صورة نصر الله وفرقوا الشبان».
منسق تيار المستقبل في بيروت خالد شهاب قال لـ«الأخبار» إن تيار المستقبل، «وعلى رأسه الشيخ سعد، لا يرضى بإطلاق النار. فالشيخ سعد شدد على عدم إطلاق المفرقعات، وهو بالتأكيد لن يرضى بإطلاق الرصاص»، الذي رأى شهاب «أنه أتى بصورة عفوية». وعما جرى في البسطة، أكّد منسق «المستقبل» أنه لم يكن خلافاً بين طرفين، بل تهجّماً من «طرف واحد على منازل المواطنين»، مؤكداً «أن إعادة صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى مكانها حق لنا ونحن نحدد الوقت».
بدوره، أكّد مسؤول محلي في حركة أمل لـ«الأخبار» أن لا علاقة للحركة بما جرى في البسطة، وأن صورة الرئيس الحريري ستعود إلى مكانها.
بعد إحراق الصورة في البسطة بدقائق، أحرق شابان يستقلان دراجة نارية صورة للرئيس نبيه بري في الزيدانية ــــــ شارع الأرمنازي. كما ألقيت قنبلة صوتية في منطقة الكولا ــــــ مدخل الشارع المؤدي إلى كلية الإعلام ــــــ من دون وقوع إصابات أو أضرار. قنبلة صوتية أخرى، لكن هذه المرة بُعيد الرابعة من فجر أمس، ألقيت على مدخل مقبرة الشهداء قرب مستديرة شاتيلا، من دون أن تخلّف أضراراً.
وبعد انتهاء المقابلة مع النائب الحريري، عادت شوارع العاصمة والشمال والبقاع لتشهد إطلاقاً للنيران، لكن بشكل أقل حدة مما حصل مع بدء الحوار، وهذه المرة من دون أن يوقع إصابات.



استعداد للمواجهة أم للزينة؟

كما في الأيام التي سبقت ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، شهدت أحياء عديدة من رأس بيروت حضوراً لافتاً لعدد من الشبان القادمين أكثرهم من الشمال، والذين قال عدد من أهالي المنطقة لـ«الأخبار» إن تيار المستقبل استقدمهم، تحسباً لحصول توتر أمني يترافق مع الذكرى. مجموعتان من هؤلاء الشبان تنزلان في مبنيين بشارع صوراتي. وقال أحد المسؤولين عنهم لـ«الأخبار» إنهم «متطوعون أتوا للمشاركة في رفع الزينة في شوارع بيروت. لكن إذا حصل مكروه، فإنهم سيدافعون عن الدولة والمحكمة الدولية».
وإضافة إلى ما ذُكر، تحدّث عدد من المواطنين لـ«الأخبار» عن حضور عدد من «الخبراء الأمنيين» من إحدى الدول العربية القريبة، بهدف مساندة تيار «المستقبل»، ونزولهم في فنادق واقعة في محيط منزل آل الحريري في قريطم. وبالاتصال بأحد الفنادق الواقعة بين قريطم ومنزل الرئيس السنيورة، رد عامل الاستعلامات بأن كل الغرف في الفندق محجوزة حتى مدة غير معلومة، وأن نزلاءها «أساتذة في الجامعة العربية».
(الأخبار)