strong> غسان سعود
•معلومات عن إرباك القائد المستقبلي لحزب الصيفي من استراتيجيّة والده «المكتّفية»
عشية إغلاق باب الترشيح لانتخاب قيادة كتائبيّة جديدة، يبدو أن ثمة خاسراً وحيداً وفائزين كثراً. خسر سامي الجميّل (أو خدع) وفاز كريم بقرادوني وميشال مكتّف وإيلي كرامة، وطبعاً الرئيس أمين الجميل طبّاخ هذه الانتخابات

انقلبت الصورة رأساً على عقب في حزب الكتائب قبل أقل من ثمانٍ وأربعين ساعة على إغلاق باب الترشيح لقيادة الحزب الجديدة (عند الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء). فبعدما انحصر الكلام الكتائبي خلال الشهور القليلة الماضية بالدور المرتقب لسامي الجميّل، فاجأت الساعات الأخيرة معظم المتابعين بأن الشاب المتحمس سيكون أبرز المُبعدين، إذا بقيت الأمور على حالها. فقد حجز الجميّل الأب، الذي رفض الاتفاق على نجله سامي مرشحاً توافقياً في انتخابات المتن الفرعية التي خسرها، موقع رئاسة الحزب له، وأعطى موقعي نائب الرئيس الأول والثاني لمساعديه جوزف أبو خليل وسجعان قزي (أو أنطوان ريشا). كما تقاسم أعضاء المكتب السياسي الـ16 والـ6 المعينين مع كريم بقرادوني (3) وإيلي كرامة (2) وصولانج (2) وميشال مكتّف (2). فيما آثر سامي، كما يبدو حتى الآن، عدم المشاركة في هذه الانتخابات.

نعي مؤجل

يرى أحد أصدقاء سامي أن نعي تجربته في حزب الكتائب مبكر، وما يحصل اليوم قد يكون لمصلحته، فيحافظ على دوره وسط شباب الكتائب، ويزداد خبرة سياسيّة، دون أن يحسب شريكاً في قرارات وسياق حزبي لا يوافق عليه كثيراً. فيما يقول آخرون إن سامي خُدع أو لم يتمكن على الأقل من تحقيق ولو بعض من توقعاته أو أحلامه، ففضّل المراقبة من بعيد ريثما تتوفر له فرصة أفضل.
فقد ترك سامي «حلف لبناننا» الذي أعلن تأسيسه في 5 تشرين الثاني عام 2006، رغم الآمال الكبيرة المعلقة عليه. وعاد إلى مدرسة الصيفي معتقداً أنه سيتمكن، بدعم والده، من أن يدخل فريقه والأشخاص الذين يثق بهم إلى دوائر القرار في الحزب، و«تنظيفه» ممّن كان يصفهم سامي بالعملاء السوريين، ثم تصويب خطاب الصيفي نحو مزيد من التعقل في التعاطي مع الأفرقاء المسيحيين، وتبني الفدرالية والدفاع عن حقوق المسيحيينلكن لم يتطابق حسابا الحقل والبيدر، فلم يتمكن معظم أصدقائه من مجاراة الكتائبيين، الواسعي الحيلة، الذين تبسّموا لسامي من جهة، ورفضوا «دخول الأطفال على الخط» من جهة ثانية، معمّمين بين بعضهم بعضاً مقولة إن «حكم الولد يخرّب البلد». وتحول سامي، في نظر بعض أصدقائه، من ثائر يريد قلب الأوضاع وتنظيف «هيكل الله والوطن والعائلة» إلى ساعٍ وراء تسويات تضمن له قطعة، ولو صغيرة، من قالب الحلوى الكتائبي. وهو استفاق على نفسه محاطاً بفريق عمل جديد، معظم أعضائه من، «العملاء السوريين»، المحسوبين على بقرادوني الذين التفوا حوله وأغدقوا عليه الأفكار البقرادونية بامتياز.
أما على الصعيد السياسي، فقد نجح الجميّل الأب، بعناية نائبه جوزف أبو خليل، في تضييع مبادئ سامي الفدرالية تحت عناوين متنوعة، ووجد سامي المقتنع بضرورة «رصِّ الصفوف المسيحية» والتمايز عن فريق 14 آذار في بعض القضايا، نفسه عضواً فاعلاً في حزب يراد له أن يكون بوق هجوم على التيار الوطني الحر، ورأس حربة في دفاع 14 آذار عن «عروبة لبنان بوجه الفرس». وهما الأمران اللذان لم يستطبهما سامي الذي شعر بأن والده يتبني طروحات صهره ميشال مكتف، المتعاطف بشدة مع تيار المستقبل، دون أخذ رأيه بعين الاعتبار، رغم الحساسيّة الموجودة أصلاً بينه وبين مكتّف. كما وجد سامي، الثائر على الإقطاع الحزبي والعائلي كما يصفه أصدقاؤه، نفسه غارقاً في مراعاة هذين الإقطاعين.
وهكذا، يقول أحد أصدقائه المقرّبين، شعر سامي بفشل مرحلي، وضمنياً بطعنة في الظهر. فحسم خياره بعدم الترشح لا هو ولا المحسوبين عليه إلى المكتب السياسي، والاكتفاء بمشاهدة لائحة التسويات التي أعدّها والده تمضي لتُزكى يوم الأحد المقبل، مشرّعة استمرارية الحزب في الذهنيّة نفسها أربع سنوات أخرى.

انتصار بقرادوني

وليس بعيداً عن أسباب تشاؤم سامي، يظهر كريم بقرادوني بصفته أحد أبرز المنتصرين في الانتخابات المقبلة. إذ نجح كريم، باللعب على التناقضات كالعادة، وحجز حصة كبيرة نسبياً لمؤيديه في القيادة المقبلة. وتقول الرواية الكتائبيّة، إن بقرادوني كان منذ بضعة أشهر على شفير الإفلاس السياسي خارج الحزب وداخله، نتيجة ارتياح قوى المعارضة للتعاطي كتائبياً مع رشاد سلامة، وتشدد سامي في التعامل معه ومع المحازبين المحسوبين عليه. لكن أكثر الكتائبيين شهرة بالدهاء، نجح بقلب الأوضاع، فاستقال من الحزب وابتعد عن الأضواء الكتائبيّة مسهلاً للمحسوبين عليه أن يستعيدوا مكانتهم داخل الحزب ويحاصروا سامي وفق خطة تقضي بإبعاد كل المتحفظين على أداء زعيم لبناننا السابق، واحتضانه بقوة لكسب ثقته، كما حصل مع بيار، تمهيداً لتعزيز قدرة بقرادوني التأثيرية داخل الحزب، الأمر الذي يفترض أن يستثمره بقرادوني خارجياً، صباح الاثنين، بعدما يثبت لقوى المعارضة أن سلامة وغيره من الكتائبيين المحسوبين على المعارضة لا يفيدون بشيء غير الخطب الرنانة، لأن حضورهم الكتائبي هامشي جداً.
من جهة أخرى، يقول كتائبي عريق، إن كل الكلام عن تهميش سامي وحصص مكتّف وبقرادوني وصولانج وكرامة غير مهم، ويفترض التركيز على نجاح أمين الجميل، بعد مثابرة أكثر من عشرين عاماً، بالإمساك أخيراً بمقاليد الكتائب. حيث عاد الرجل الذي سمي رئيساً أعلى لحزب الكتائب عام 2005 كبادرة حسن نيّة من بقرادوني وتمهيداً لاعتزال الجميّل العمل السياسي، إلى العمل الحزبي من بابه العريض. وهو يعلم، بحسب الكتائبي نفسه، أن المرحلة لا تحتمل طروحات سامي، فيما يشكل حضور بقرادوني الصغير، (ببعده السوري خصوصاً) ضرورة لحفاظ الحزب على قدرة المناورة إذا دعت الحاجة يوماً.



حضور أنثوي

لن تحصل انتخابات يوم الأحد المقبل في 17 شباط، إذ نجحت تسويات الرئيس الجميّل مع هذا وذاك بتوفير الجهد الانتخابي عبر تزكية معظم المرشحين، وسط اتجاه لتعزيز الحضور الأنثوي، كما يبدو. وقد بقي الوزير السابق إدمون رزق والرئيس السابق للحزب منير الحاج والقيادي الكتائبي السابق رشاد سلامة خارج التسويات.
فيما رجحت بعض المصادر الكتائبية أن يكون الاثنين المقبل موعداً لانطلاقة جديدة لسامي الجميّل في حزب الكتائب، انطلاقة يكون فيها متحرراً من الارتباطات العائلية ما يمكّنه من تقديم نظام حزبي يواكب العصر وخطاب سياسي جديد، يستنهض الحزب، ويعيد للمحازبين «تمايزهم التاريخي».