إبراهيم الأمين
هل هناك ضائقة شعبية تستدعي هذا القدر من التحريض والتعبئة والتحشيد؟ وهل هناك مشكلة في إقناع الجمهور بالنزول الى الساحات حتى يصار الى التهديد بالحرب الأهلية ونشر مئات المسلحين وترويع الناس وإطلاق النار في كل اتجاه؟ أم هناك خطة تتجاوز ذكرى 14 شباط المقبلة؟
على مدى أسبوع كامل كانت القوى الأمنية الرسمية تواجه مشكلة مع التقارير المكثفة التي ترد من مراكزها على أنواع. عشرات المسلحين من أحزاب فريق 14 آذار ينتشرون يومياً وخصوصاً في ساعات الليل في معظم القرى والمدن والأحياء التي تقع ضمن دائرة نفوذهم. سباب وشتائم يتميّز بها بعض هؤلاء المسلحين وهم يتخاطبون في ما بينهم بواسطة أجهزة لاسلكية وعشرات السيارات المغلفة بالسواد تتنقل وفيها شباب مسلحون ولكن صفتهم الرسمية: مجندون في قوى الأمن أو مجندون سابقون في قوى الأمن، أما حالياً فهم يتبعون لـ«أمن قريطم» وهو الأمن الممتد ضمن مربّعات ومستطيلات تسيطر على كل منطقة رأس بيروت.
شبان يخرجون من سيارات مدنية معروفة ويطلقون النار في كل الاتجاهات ثم يغادرون، ثم يظهرون مدنيين مع العناصر الأمنية الرسمية. وشبان يجولون بالأسلحة على اختلافها في مناطق الشمال وعكار ويطلقون النار دون أي منع من العناصر الأمنية، وفي طرابلس يعمد عناصر من قوى الأمن الداخلي عرفهم الأهالي للمشاركة في إطلاق النار أيضاً ابتهاجاً بخطابات النائب سعد الحريري. وفي بيروت مواكب سيارة تمر بالقرب من منزل الرئيس نبيه بري وتلقي قنابل حارقة وتطلق النار. وفي محلة الطريق الجديدة يخرج محتفون بخطاب الحريري ويطلقون النار باتجاه منطقة قصقص ـــــ الطيونة. وفي عاليه يشنّ مسلحون من جماعة وليد جنبلاط هجوماً بالرصاص على مكاتب تابعة للوزير السابق طلال أرسلان. وفي إقليم الخروب يجري توزيع السلاح بكميات كبيرة ويطلبون الى الأنصار التدرب على إطلاق النار في الهواء، وهو الأمر نفسه الذي يحصل في البقاع الغربي وفي مناطق أخرى من لبنان. وكل ذلك بغية إشعار الخصوم «بأننا أقوياء ومستعدون للمواجهة».
لن يكون صعباً على أي جهة محلية تقفي الآثار الفعلية لخطابات أمراء الحرب الجديدة، باعتبار أن هؤلاء وضعوا أنفسهم في موقع المواجهة الشاملة، وهم الذين لا يريدون التواضع قليلاً في تحديد أهداف معاركهم المتنقلة، فتراهم يصرون على تحقيق ما فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل ومعهما الغرب والدول العربية الحليفة لأميركا في تحقيقه مجتمعين. فلا يرتاح مفكرو 14 شباط قبل سقوط النظام السوري ولا يغمض لهم جفن قبل تحرير الشعب الإيراني من براثن حكمه الشمولي، ولن يكون لهم هناء قبل أن يرتاح اللبنانيون من عبء حزب الله وسلاحه، وسوف يكسرون الدنيا كرمى لعيون البطريرك الماروني ويحلون له عقدته المتنقلة بين الرابية وبنشعي. وفوق كل ذلك سوف ينشرون الديموقراطية في كل العالم العربي، ومعه التطور والازدهار. أليسوا هم مفاتيح الحياة والحرية والحب؟!
وبما أنه يصعب التوصل مع هذا الفريق الى تسوية دون موافقة الخارج القابض على جيوبهم وأرواحهم وعقولهم، فإن التصعيد القائم الذي قد ينتهي يوم الخميس انفجاراً دموياً إذا ما صدق جمهور هذه القوى أنه مدعوّ الى التخلص من الآخرين، يفتح السؤال عن خلفية تعبئة من هذا النوع وأبعادها.
وبحسب ما هو ظاهر فإن فشل المبادرة العربية والمسعى الأخير للأمين العام للجامعة عمرو موسى دل على عمق الأزمة لناحية أن مناورة بسيطة من جانب الأكثرية لم تعش أكثر من ثلاث ساعات. وعندما ردّت عليها المعارضة بتبنّي مشروع سريع ومكثف للحل، بدا أنه أسقط في يد موسى فاضطرّ للمغادرة على أمل العودة، وهو حصل على وعد من الرئيس نبيه بري بأن المعارضة سوف تكون جاهزة للحضور مجدداً الى الاجتماع الرباعي مع ممثلي الموالاة، وقال بري إن المعارضة وافقت، وفي مقدمها عون، على مبدأ المثالثة في توزيع المقاعد الوزارية، ولكنه دعا موسى لأن يكون أكثر حكمة في متابعة هذه النقطة لاحقاً، ولا سيما أن بري قال له صراحة وبحزم: سوف نسير في الاتفاق ولكن ائتنا بموافقتهم على المثالثة، ولن يكون النقاش صعباً في بقية التفاصيل، رغم أن فريق السلطة يتقدم ويتراجع بصورة لافتة، اذ فيما أعلن النائب سعد الحريري أنه موافق على اعتماد القضاء دون مواربة، عاد وترك الجواب لمرافقه الرئيس أمين الجميّل الذي قال إن القضاء يجب أن يكون موضع نقاش في المجلس النيابي وليس أمراً محسوماً على أساس قانون عام 1960.
ولكن الى أين يسير فريق السلطة؟
تنبغي مراجعة الموقف الأميركي الرافض للمبادرة العربية، والموقف السعودي الرافض للمبادرة الفرنسية ولأي تسوية مع سوريا، وكذلك مراجعة الموقف المصري المصر على تسويق انتخاب الرئيس دون بقية البنود، والنشاط الأردني الأمني في حالة تزايد يوماً بعد يوم. وفي الولايات المتحدة من يقول إن الأمور لا تحتاج الى كثير عناء حتى يتم حسم الموقف لمصلحة حلفائها في لبنان وفلسطين والمنطقة، ولكن كيف سيتم الأمر؟
فهل يصل الأسطول السادس الى شواطئ لبنان من جديد. وهل تنتقل القوات الأميركية من العراق الى جرود الضنية والمختارة لمقاتلة خصوم أمراء الحرب الجديدة؟
بالطبع لن يحصل هذا الأمر. ولكن ما يدور في بال الفريق المجنون الذي ينزلق أكثر فأكثر نحو التورط في لعبة تقضي على كل شيء، هو وجود من هو أقرب من الولايات المتحدة وأكثر خبرة وأكثر فاعلية للدعم. وفي تموز عام 2006، ذهب أمراء الحرب الجديدة الى الولايات المتحدة وطلبوا منها أن تفرض على إسرائيل خوض حرب للتخلص من حزب الله. وكانوا يعدون الأميركيين بأنهم سوف يكونون في حالة جهوزية لتقديم الدعم. ولكن هؤلاء فوجئوا بأن الأمور لا تسير وفق ما هو مقتضى، والفصول السرية من تقرير فينوغراد التي سوف يظهر يوماً ما، فيه الكثير عن خيبة أميركية وإسرائيلية من عدم وفاء الحلفاء في لبنان بالوعود. ولأن إسرائيل تعلمت كثيراً من تجربتها اللبنانية، فهي لن تبادر هذه المرة الى شنّ الحرب قبل أن تلمس باليد أن من يدّعي ملاقاتها في بيروت قد باشر من جانبه ما هو مطلوب منه.