باريس ـ بسّام الطيارة
قبل انتهاء زيارة عمرو موسى كان المسؤولون الفرنسيون يشدّدون على أن «لا خطة بديلة عن المبادرة العربية في أدراج الإدارة الفرنسية». وكانوا يرفضون الإجابة عن سؤال «ماذا نفعل بعد المبادرة العربية؟». أما وقد تحوّل السؤال إلى «ماذا نفعل الآن؟» فإن التردّد هو سيد الموقف. لكنّ دبلوماسياً رفيعاً رفض ذكر اسمه أكّد لـ«الأخبار» أنه «من الطبيعي أننا ندرس كل الاحتمالات لأن همّ فرنسا الأول هو تجنيب لبنان الفوضى».
ويضيف المسؤول «إننا ندعم المبادرة العربية». ويستطرد «ولكن إذا لم تنجح فإنه من الطبيعي أن لا نقف مكتوفي الأيدي».
ولا تخفي المصادر الفرنسية أن فكرة «لقاء حول لبنان في باريس» تُدعى إليه الدول المؤثّرة إلى جانب بعض الفرقاء اللبنانيين أو بدونهم، ما زالت تراود أذهان العاملين على الملف اللبناني، وإن كان ذلك في ظلّ «تباين وجهات النظر بين مستشاري الإليزيه والكي دورسيه» حول الأمر. وانعكس ذلك جدالاً وتبادل اتهامات بقلّة الخبرة عبر الأجهزة الإعلامية الفرنسية والأجنبية وأبرزها حديث الوزير كوشنير لصحيفة نيويورك تايم في مطلع الأسبوع الماضي الذي وضع «اللوم على الإليزيه» في إبراز فشل المبادرة الفرنسية. كون القصر الرئاسي وأجهزته تجاوزت كوشنير عبر إرسال سكرتير الإليزيه غيان إلى دمشق قبل إغلاق خط التفاوض المباشر بالشكل الإعلامي ـ الدرامي الذي تم.
إلّا أن الدخول في تفاصيل هذا «التباين بين الأجهزة والمستشارين» يدلّ على نقطتين رئيسيتين يرتكز عليهما اختلاف وجهات النظر.
تشير النقطة الأولى إلى تغيّر في مواقف الوزير كوشنير إزاء العلاقة المفتوحة مع سوريا. إذ بعدما كان من مؤيدي فتح حوار مع دمشق «من أجل تحريك الأمور». بات الآن مقتنعاً بضرورة «قطع العلاقة مع دمشق بانتظار حصول تقدّم في الحلّ اللبناني».
أمّا نقطة الخلاف الثانية، فهي تدل على تباين في أساليب العمل اليومي في تناول الملف اللبناني. فقد وضع كوشنير جانباً «سجل علاقاته الشخصية في لبنان والمنطقة»، بانتظار خطوات ملموسة من دمشق للسيّر في طريق الحلّ. بينما أخرج طاقم الإليزيه وبشكل خاص كلود غيان «مفكّرة علاقاته النافذة في المنطقة» في محاولة لتحريك الأمور من تحت الطاولة ما يدفعه لتواصل دائم بعيداً عن الأضواء مع «مختلف الأجهزة» في المنطقة، التي خبرها بحكم مواقعه الأمنية السابقة.
ويقول دبلوماسيون عرب في باريس إن التوجهين «لا يتقاطعان مع مسار واشنطن» وهو ما يسبب نقاط ضعف الدبلوماسية الفرنسية في الملف اللبناني بشكل عام وكل المبادرات الفرنسية بشكل خاص. ويجبرها هذا الأمر على الظهور بمثابة ملحق بالمسار الأميركي أو قيمة مضافة للمبادرة العربية، التي تشكل هي أيضاً «مجموعة ملحقات» للمسار الأميركي نفسه.
ويقول أحد المقربين من دائرة المشاورات القائمة بين باريس والعواصم العربية وواشنطن إن «موقف باريس ضعيف» بسبب عدم قدرتها على «دفع الثمن المطلوب لحلحلة تسمح بمتابعة مبادراتها» للوصل إلى أهدافها. ويتفهّم الدبلوماسي سبب قناعة كوشنير بشأن ضرورة وقف التواصل مع دمشق، لكنه لا يشاركه التبريرات والأسباب، ويرى أن عدم الوصول إلى توافق مع دمشق هو بسبب عدم القدرة على تمرير الرسائل إلى الأكثريّة فبدت دمشق كأنها وحدها القادرة على تحريك الأوضاع نحو الحل، وهو ما قرأه البعض بأنها «اتهامات مباشرة بالعرقلة» لا تساعد على الحل. وبالمقابل يشير الدبلوماسي إلى أن سعي كلود غيان لتحريك مسار الحلّ عبر اتصالات سرية لم يكن كافياً رغم علاقاته الوثيقة بعدد من أجهزة المنطقة إذ إنه من جهته تمنّع عن تقديم «إشارات علنية» تجيب عن مطالب بعض الفرقاء اللبنانيين وبدا واضحاً أنه غير قادر أيضاً على تجاوز حدود «عطاءات أوروبية» رسمتها واشنطن لهامش المناورة الفرنسية.
أما الإجابة عن سؤال «ماذا يمكن أن تفعل باريس؟»، فإن الدبلوماسية الفرنسية قد «كبّلتها مواقفها» حسب بعض الخبراء المتابعين للوضع في لبناني: فهي بدعمها «المعلن والشديد اللهجة للمبادرة العربية قد قطعت طريق تجاوز عجز العرب عن الاتفاق».
وتبدو اليوم المبادرة العربية وكأنها الفخ الذي أطبق على الملف اللبناني، وخصوصاً بعد أن خرجت المبادرة وقد ربطت نجاحها بـ«اسم مرشح التوافق ميشال سليمان» بحيث تبدو كل محاولة للبحث عن مرشح آخر وكأنها عرقلة كما هو الأمر بالنسبة إلى أي محاولة لإيجاد مسار جديد.