طارق ترشيشي
لا يمكن تفسير التصعيد السياسي العنيف القائم بين فريقي الموالاة والمعارضة، إلا بأنه تعبير عن المأزق الذي آلت إليه المبادرة العربية، التي لن تنجدها على ما يبدو عودة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في 24 من الجاري، قبل يومين من الموعد الجديد لجلسة انتخاب رئاسة الجمهورية.
ويخشى فريق من السياسيين أن يكون التصعيد الجاري مقدمة لإعلان وفاة المبادرة العربية ودفنها، مترافقاً مع حصول بعض القلاقل الأمنية الداخلية، التي قد تدفع واشنطن وحلفاءها الدوليين إلى الضغط لاستصدار بيان عن مجلس الأمن ورئاسته يرى أن السلم والأمن في لبنان باتا مهددين جرّاء استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية، والتعطيل الذي يصيب بقية المؤسسات الدستورية، ويدعو النواب إلى انتخاب رئيس للجمهورية بمن حضر، ليُطلب بعد ذلك تدخل دولي تحت عنوان المساعدة على إعادة بناء الدولة ومنع التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية.
وفي هذا السياق، كان اللافت ما قاله البطريرك الماروني نصر الله صفير أخيراً عن احتمال تدويل الأزمة اللبنانية وتعيين الأمم المتحدة «حاكماً دولياً للبنان إذا لم تعالَج الأزمة ويُنتخب رئيس يملأ الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية. ويخشى الفريق نفسه، أن تكون المقدمة لتدويل الأزمة اللبنانية، دخول البلاد في مشكلات وقلاقل أمنية قبل موعد القمة العربية العادية المقررة في دمشق أواخر الشهر المقبل، بحيث تؤدي هذه المشكلات، معطوفة على الخلافات العربية ـــــ العربية القائمة، إلى تأجيل هذه القمة أو إلغائها.
ويبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري مدرك ما يتهدد الوضع الداخلي من مخاطر نتيجة تعثّر المبادرة العربية واستمرار التباعد الكبير بين فريقي الموالاة والمعارضة، ولذا عاود طرح معادلة «س ـــــ س». مشيراً إلى أن أكثر الطرق، وربما أوّلها، إلى حل الأزمة هو عودة العلاقات إلى طبيعتها بين دمشق والرياض، وهذا ما يثيره في اتصالاته العربية وفي كل لقاء يعقده مع السفير السعودي في بيروت، الدكتور عبد العزيز خوجة، الذي زاره الأسبوع الماضي.
وثمة من قال إن التصعيد القائم، أدخل لبنان في «المرحلة الساخنة»، أو «المرحلة الحمراء»، وهذه المرحلة ربما يريدها الأميركيون لدفن المبادرة العربية، ومن ثم تدويل انتخابات رئاسة الجمهورية، على رغم أن خيارهم المفضّل كان ولا يزال بقاء حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ممسكة بالسلطة حتى إشعار آخر.
وفي رأي قطب معارض، إن تصعيد الموالاة، يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية، إذا كان المراد منه تأمين حضور كبير في ذكرى 14 شباط، لأن بعض المواقف اتخذت طابع قرع طبول الحرب، وهو أمر، لا يلقى استحساناً لدى شريحة كبيرة من عامة اللبنانيين لا تريد للبلاد أن تدخل في حرب أهلية جديدة. ويرى هذا القطب أنه قياساً على المواقف التصعيدية التي أعلنها رئيس كتلة «المستقبل» النائبان سعد الحريري وليد جنبلاط، يمكن القول إن الاحتفال بذكرى 14 شباط قد انتهى قبل أن يبدأ. فالحريري أكد «الاستعداد للمواجهة مع المعارضة ومع النظام السوري قائلاً: «نحن لها»، فيما جنبلاط، قال نعم للفوضى وللحرب، وإن فريق الموالاة «سيحرق الأخضر واليابس». فماذا عساهما أن يقولا أكثر الخميس المقبل.
ويقول هذا القطب إن «أمر العمليات السياسي» أصدره الحريري عندما قال: «المواجهة نحن لها»، فيما جنبلاط أصدر «أمر العمليات العسكرية» بإعلانه الاستعداد للحرب وتهديده بـ«حرق الأخضر واليابس». بيد أن بعض الأوساط السياسية، أدرج تصعيد الموالاة بهذه الدرجة العنيفة، في إطار احتمالات ثلاثة:
الأول ـــــ اقتناع الموالاة بأن ثمة تسوية للأزمة اللبنانية ستحصل على أبواب مؤتمر القمة العربية المقرر أواخر الشهر المقبل، تكون مبنية على تسوية للخلاف السوري ــــ السعودي، ولذا تريد من توفير المشهد الواسع في ذكرى 14 شباط رفع سقف مطالبها وشروطها، فلا تقدّم تنازلات كبيرة في تلك التسوية التي تحاول المبادرة العربية بلورتها على رغم تعثرها بين جولة وأخرى من جولات موسى.
الثاني ــــ إجراء «اختبار قوة»، داخلياً في وجه المعارضة، والتأكيد أنها جاهزة لاحتمالي التسوية أو المواجهة، وأن على المعارضة أن تدرك أنها لا تستطيع أن تغلبها لا سياسياً ولا عسكرياً، وخارجياً توجيه رسالة بواسطة هذا «الاختبار» إلى القوى الإقليمية والدولية المتعاطية الشأن اللبناني، وفي مقدّمها الولايات المتحدة، مفادها أن الموالاة «رقم صعب» في المعادلة اللبنانية، لا يمكن تجاهله أو إجراء أي تسوية داخلية أو خارجية على حسابه.
ثالثاً ــــ التحضير لجولة مواجهة حاسمة مع المعارضة، سياسياً وعسكرياً، إذا فشلت المبادرة، تفضي إلى تدويل الأزمة، عبر استجلاب تدخل دولي يمكن أن يترافق مع تطورات عسكرية إقليمية، من قبيل توجيه ضربة عسكرية أميركية ـــــ إسرائيلية لسوريا والمقاومة أو لإيران.
وفي أي حال، فإن تصرّف فريق الموالاة وما ستكون عليه مواقفه بعد انتهاء الاحتفال بذكرى 14 شباط هما اللذان سيحددان أياً من هذه الاحتمالات الثلاثة سيؤول إليها مستقبل الأوضاع في البلاد.