ثائر غندور
عندما انتهى اللقاء الرباعي، انتقل الأمين العام للجامعة العربيّة، عمرو موسى، إلى عين التينة، ليبلغ الرئيس نبيه برّي بأن العماد ميشال عون رفض فكرة المثالثة. عرف برّي في هذه اللحظات أن هناك شيئاً ما يُدبّر للمعارضة. فقال لموسى: «إذا استطعت أن تحصل على موافقة الفريق الآخر على المثالثة، فإنني سأنسحب مع كتلتي من المعارضة ونؤمّن النصاب القانوني لجلسة الاثنين».
وضع بعض المراقبين ما حصل في خانة الخلافات بين المعارضة. لكن أحد أقطاب المعارضة المطّلعين على تفاصيل الجولة الأخيرة من المفاوضات يقول إن عمرو موسى ليس وسيطاً نزيهاً. فقد سرّب فريقه لبعض وسائل الإعلام خبراً مفاده أن موسى عرض على عون محضراًَ يتضمّن موافقة بري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ووزير الخارجية السوري وليد المعلّم على طرح المثالثة في تشكيلة الحكومة. والصحيح أن موسى عرض ورقة تقول إن برّي طرح المثالثة. في هذه اللحظة، اتصل عون ببري لمعرفة حقيقة الأمر، فأبلغه برّي أنه وافق على المثالثة من ضمن المبادرة العربيّة.
ويضيف هذا المعارض أن عون قال للحريري: «إذا أنتم موافقون على المثالثة، فهذا تطوّر إيجابي ومهم، ودعونا نناقشه». وكرر هذه الجملة عدّة مرّات، لكن النائب سعد الحريري والرئيس أمين الجميّل لم يردّا عليه. وسأل الحريري عون : إذا قبلنا بالمثالثة، فهل تنتخبون الرئيس الاثنين (الموعد الذي كان مفترضاً اليوم لانتخاب رئيس جديد للجمهورية)؟ فردّ عليه عون: هل هذا سؤال أو طرح؟ إذا كان طرحاً، فلنضعه على الطاولة ونناقشه، أمّا إذا كان سؤالاً، فإنني أعيد طرحه عليك، هل أنت موافق؟ فردّ الحريري سلباً، فقال له عون عندئذٍ: «تريد أخذ موقفي وتبني عليه».
وكان عون قد قال الأمر نفسه لموسى عندما طرح الأخير فكرة المثالثة كسؤال افتراضي، وقال له عون: هل تقوم الآن باستطلاع للنيّات؟ قل لي هل هذا الطرح يعبّر عن موقف الجامعة وأنت تتبناه؟ فما كان من موسى إلا أن أحال عون إلى ما عرضه كمحاضر للقاءات بينه وبين بري ونصر الله.
وبرأي هذا المعارض، فإن موسى وفريق السلطة، حاولا إيجاد مشكلة داخل فريق المعارضة وإشاعة جو من الخلاف بين أقطابها. ويشير إلى أن طرح بري أتى في سياق «التكتيك السياسي، لأنه يعرف أن فريق السلطة غير موافق على المثالثة». فيما يضعه معارض آخر في سياق هجوم معاكس شنّه برّي، بعدما وصلته التسريبات الإعلاميّة لفريق السلطة، التي تتهم المعارضة بعرقلة الحلّ بعد تنازل الموالاة وموافقتها على المثالثة. ويتفق عدد من المعارضين، على أن برّي تمكن من إدارة هذا الموقف بأسلوب ذكيّ، استطاع من خلاله إخراج المعارضة منتصرةً إعلامياً.
في كلا الحالتين، فإن عدداً من المعارضين، يشير إلى حقيقة أن فريقي السلطة المعارضة لا يريدان المثالثة. فالمعارضة تؤكّد أن هذا ليس طرحها أبداً، بل هو مجرّد فهمها للمبادرة العربيّة. ولذلك، فإن المعارضة لا تفاوض على أساس أن المثالثة نصر لها، بل إنها تُصرّ على حصولها على الثلث الضامن. ويضع أحد المعارضين موافقة المعارضة على هذا التوزيع ضمن رغبتها في إنجاز الحلّ، لكنّها تريد الحصول على قانون انتخاب الستين أيضاً. أمّا فريق السلطة، فإنه غير جاهز حالياً لأي تسوية سياسيّة، وهو يراهن على شيء ما يستطيع قلب التوازنات الداخليّة.
وبخصوص ما أشيع من كلام بشأن الخلاف بين أطراف المعارضة، وحاجتها إلى لقاء في الرابية من أجل إعادة توحيد صفوفها، قال معارض آخر، إنه بعد أي اجتماع مع عمرو موسى، تلتقي الأطراف السياسيّة الأساسية، أي حزب الله والتيار الوطني الحرّ وحركة أمل في عين التينة أو الرابية لتبادل المعلومات ليس إلّا. لكنّه يشير إلى وجود تمايز بين أطراف المعارضة ويعدّدها: المعارضة بكلّ أطيافها موافقة على انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهوريّة، لكن برّي هو الأكثر تمسكاً بهذا الطرح.
المعارضة بجميع أطرافها يُمكن أن تمشي بحكومة قائمة على المثالثة في توزيع الوزراء، لكنّ برّي هو أيضاً الأكثر اقتناعاً بهذا الطرح. كلّ المعارضة تتبنّى القضاء دائرة انتخابيّة في أي قانون جديد للانتخابات، لكنّ التيّار الوطني الحرّ هو أكثر المتحمّسين لهذا الطرح. ويقول هذا المعارض إن التمايز بين أطراف المعارضة لا يعني وجود إشكالات، بل هي مساحة للنقاش، يتفق الجميع على عناوينها العريضة.