نادر فوز
ينتقل من وراء مكتبه ليجلس مع ضيوفه في الصالون، يسأل عما يشربون ليبدأ الحديث بأسلوبه الساخر الاعتيادي «الذي يعلق أكثر في أذهان الناس ويكون أشد تأثيراً من الموقف السياسي الجامد»، كما يقول القيادي المعارض وئام وهاب الذي شكل خلال أعوام قليلة حالة متميزة في المعارضة.
بعد بضع دقائق من التخاطب الطبيعي لكسر الجليد، يبدأ وهاب الحديث عن المرحلة الماضية القريبة، حين تكوّن محور 14 آذار وانسحب السوريون، حيث كانت الأطراف الموالية يومئذ إما خائفة من هذا المحور أو تحتمي عبر إدامة التحالف الرباعي الذي لم يطل به العمر وينتهي شر نهاية. ويعرض الرجل قوّة المعارضة اليوم، «وإن كانت تعاني نقصاً نعرفه والمتمثّل في عدم تمكّنها من تحقيق خرق جدي لدى جهة محددة على المستوى الشعبي( يقصد الطائفة السنية)».
يؤكد الرجل أنّ علاقته بالنظام السوري، خلال تلك المرحلة، لم تكن كما كان يراها ويخافها البعض، «حميت نفسي وقتها باستخدام الوهم حيناً وبرفع الصوت والسقف حيناً آخر»، يقول، ليعود ويشير إلى علاقته الممتازة اليوم بهذا الذي يحتضنه بشكل كامل.
يستمرّ وهاب بالحديث عن مرحلة التحالف الرباعي، حيث كان ممنوعاً عليه، لأسباب سياسية، الظهور على إحدى أهمّ القنوات الإعلامية المعارضة. ثم يتخلى عن النكهة الساخرة خلال حديثه عن وقائع تاريخية في عهد الإمارتين ونشأة لبنان والتجارب السياسية من أدنى مستوياتها في الأحياء والقرى اللبنانية إلى المستويات النخبوية لدى القيادات التقليدية. لا ينفك عن تناول الإقطاع السياسي الذي يبدو في لحظات طويلة أنه إما ناقم عليه أو معاد له، ومؤسس لزعامة جديدة تسعى إلى وراثة الإقطاع السياسي إياه. وبكل الاحوال، فإن الرجل يقدم عن نفسه ودون قصد صورة أكثر جدية وعمقاً من تلك التي يظهر فيها في وسائل الإعلام.
يعود وهاب كثيراً الى التاريخ ليستخلص منه التغييرات اللبنانية الداخلية وإعادة صياغة التفاهمات المكتوبة أو ما قبل الدستورية في ما بين الطوائف، التي تقطن في هذه البلاد، ويخلص للقول إنّ كل تغيير كان يجري في ظل احتدام الصراعات الإقليمية المحيطة بلبنان، ينعكس عبر تغييرات داخلية كانت تتمّ بعنف دائماً على المستوى المحلي، سواء ما بين الطوائف المختلفة أو داخل الطوائف نفسها، التي تعيد إنتاج صيغة حكم طائفي.
ومن هذه الاتّفاقات الطائفية التي تنتج بعد كل أزمة داخلية نظاماً جديداً، ينطلق القيادي المعارض لعرض الواقع الحالي، فيشرح أحد أوجه صراعاته الدائمة والمباشرة مع الزعامة الإقطاعية، التي يناحرها على الدوام. فيشير بهدوء شديد وغريب إلى أنّ صراعه مع الإقطاعية له وجه قاتل، وأن خلافه معها ينتهي مع حكم أحد الطرفين، «فإما أن يقتلني، أو أن أقتله»، بالمعنى السياسي طبعاً وليس العملي. ويعود الرجل ويؤكد أنّ قوى المعارضة الأساسية لا تريد خوض هذه المعركة، رغم أنّ الصراع هو حول مشروعين سياسيين كبيرين للبنان والمنطقة، ويتخطى قضية رفع الهيمنة الإقطاعية عن طائفة معيّنة.
وقبل الغوص في الأزمة الحالية، يعدّل القيادي المعارض جلسته ويتحدث عن ارتياح السيّد حسن نصر الله للأوضاع، مشيراً إلى أنّ الأمين العام لحزب الله يعرف جيداً ما يريده، «ويبدو هادئاً عند الحديث عن الأمر. تغيب سلاطة اللسان والسخرية واجتراح النكات خلال تناول الأزمة الراهنه مع وقوع بعض الأحداث الأمنية واستعار الخطاب الطائفي، فلا يخاف الرجل المعارض الاستعدادات القائمة للحرب الأهلية، بل يؤكد أن الحرب قائمة فعلياً، وهي حرب باردة، مشيراً إلى أنّ كل ما نعيشه يشير إليها بصفتها كذلك. ويتطرّق بعدها إلى بعض المعلومات الميدانية عن تسلّح بعض القوى، مؤكداً أنّ قوى الموالاة التي تتحدث بطلاقة عن الحرب وتصعّد مواقفها وتعلن استعدادها للمواجهة غير قادرة على فرض أي شيء بالقوة، على الرغم من مخيمات التدريب التي تعدّها لمناصريها.
ومثلما رأى أنّ صراعه مع الإقطاعية لا بد أن ينتهي بمقتل سياسي لأحد الطرفين، يشير وهاب إلى أنّ الصراع الحاصل اليوم على الأراضي اللبنانية سينتهي بانتصار مشروع سياسي وانكسار آخر. كما يرى أنّ التسوية غير جدية وأنّ عمر الأزمة طويل، فـ «لا مفر من انتصار جانب على آخر في النهاية، وإلى ذلك الحين الأزمة مفتوحة، والحرب الأهلية الباردة قائمة». وعلى المستوى العربي والإقليمي، تسمح علاقة الرجل الممتازة بالنظام السوري بأن يكشف أنّ الجيش السوري حصل على أنظمة صواريخ حديثة أرض أرض، وأرض جو، مؤكداً أنّ السوريين يعدّّّّّّّّّون لواءين عسكريين غير نظاميّين يعملان وفق أسلوب العمل المقاوم. مضيفاً إن التجربة التي وقعت في لبنان عام 2006 أفادت الجيش السوري بشكل يفوق الوصف. وباستطاعته توجيه 1000 صاروخ يومياً تطال كل الأراضي الفلسطينية.