149;الحريري يواصل التعبئة شمالاً و«حزب الله» يحذّر من لحظة الغضب
تحولت دعوات قوى «14 آذار» الكثيفة إلى مناصريها للمشاركة في إحياء الذكرى الثالثة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى مناسبة للتهديد بالحرب والفوضى، الأمر الذي قوبل بردود فعل واسعة من المعارضة وعلى رأسها «حزب الله»

بعد ساعات على مغادرة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بيروت من دون أن تحقق مساعيه أي خرق في جدار الأزمة وتأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى السادس والعشرين من الجاري، رفعت «قوى 14 آذار» حدّة خطابها مهددة بالحرب و«حرق الأخضر واليابس»، على ما جاء في كلمة لرئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، بالتزامن مع تهديد رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري بالمواجهة خلال زيارة إلى الشمال لتعبئة مناصريه وحثّهم على المشاركة في تجمّع ساحة الشهداء، واعداً بمشاريع إنمائية للمنطقة بقيمة 52 مليون دولار.
فقد أطلق النائب وليد جنبلاط سلسلة مواقف في اجتماع الجمعية العمومية للحزب التقدمي الاشتراكي، التي انعقدت في مجمع الشوف السياحي في بعقلين برئاسته، ووصف يوم 14 شباط بأنه «موعد مع التجديد والتحدي». وقال: «نكون أو لا نكون، يكون لبنان أو لا يكون، يكون حراً سيداً مستقلاً أم يبقى مرهوناً لإيران وسوريا، تحت شعار التنسيق بين دولة ميليشيا حزب الله وبين الدولة اللبنانية».
وأكد «أن 14 شباط وحدها تقرر الحرب والسلم، وملكية مزارع شبعا، وتتعاطى هذه الدولة مركزياً بملف الأسرى».
واتهم «مجموعات صغيرة في الجبل وغير الجبل مزوّدة ومسلحة حديثاً، من المربع الأساسي تنوي القيام بعمليات إرهابية جديدة ضد الأمن الداخلي والجيش والأحرار في لبنان».
وتوجه إلى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله قائلاً: «لا يا سيد، لا أعتقد بأن الإمام علي يقبل بأن يصبح شعار «هيهات منا الذلة» أداة لحماية المجرمين ولذلّ الآخرين، ولا يمكن أن يكون شعاراً صحيحاً في خدمة المجرمين، في خدمة المجرم الأول بشار الأسد وغير بشار الأسد».
وأضاف: «للذين عبر أوراق التفاهم يريدون عودة الوصاية نقول لهم: أياً كان جبروتكم وأياً كانت فرق المرتزقة التي تحمونها، أو تدربونها أو تموّلونها فلن نخاف ولن نركع. وإياكم أن تظنوا أننا سنقبل بعودة نظام الوصاية. أنتم أدوات لأحقر الناس، بشار وعصابة بشار. التحقوا بالأحرار، التحق يا سيد بالأحرار إذا كنت تجرؤ، لنبني معاً لبنان حراً سيداً مستقلاً، واترك الكفار والطغاة والظالمين، رحمة بعقلاء الشيعة اللبنانيين العرب، تلامذة موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين، لأن الفراغ إذا ما استمر، والتسلح والتدريب إذا ما استمرا، وشراء الأراضي إذا ما استمر، والتخوين إذا ما استمر، والاغتيال طبعاً إذا ما استمر ويبدو أنه سيستمر، سيجر الجميع إلى الفوضى. وإذا كنتم تظنون أننا سنقف مكتوفي الأيدي فهذا أمر من الخيال. قد نضطر لحرق الأخضر واليابس، وجودنا وكرامتنا وبقاؤنا ولبنان أهم من كل شيء».
وقال: «تريدون الفوضى؟ أهلاً وسهلاً بالفوضى. تريدون الحرب؟ فأهلاً وسهلاً بالحرب. لا مشكلة بالسلاح، ولا مشكلة بالصواريخ، نأخذ الصواريخ منكم جاهزة». وأكد أن العدالة آتية، مشيراً إلى أن السعودية موّلت المحكمة، واعداً أمهات وأخوات وآباء وأقرباء ما سمّاها «عصابة الضباط الأربعة» بأنهم «سيبكون دماً عندما تعلّق مشانق تلك العصابة. وإذا استفحلوا بالتصريحات فنحن سنأخذ ثأرنا للعدالة».
ورأى أن «14 شباط هي عنوان المصالحة التي أرساها البطريرك مار نصر الله صفير، وكل هؤلاء الأقزام الذين يرمون بسهامهم الحاقدة على هذا الصرح لن ينالوا منه بشيء، لكن هم تلامذة القاتل الكبير والحاقد الكبير في دمشق»، مشيراً إلى أن «14 شباط هذا العام يوم تحد كبير وأصعب وأقسى من 14 شباط 2005».

52 مليون دولار للشمال

أما النائب سعد الحريري، فقد أقام في اليومين الماضيين في طرابلس، حيث التقى في فندق كواليتي ــــ إن نواب وفاعليات طرابلس والمنية والشمال من قوى 14 آذار، داعياً إلى المشاركة الكثيفة في تجمع 14شباط، مرفقاً هذه الدعوة بالإعلان عن إطلاق سلسلة مشاريع تنموية وتعليمية وصحية في المنطقة بقيمة 52 مليون دولار، بعضها عائد إلى الدولة وتعذر تأمين التمويل اللازم لها وذلك كهبات عينية سيتم تقديمها عن روح الرئيس الحريري.
وأكد أن «محاولات إحباط قوى 14 آذار، قوى الاستقلال والسيادة والعروبة لن تنجح»، مشيراً إلى أن «طريقنا واضح والتحديات أمامنا كبيرة وسنواجهها إذا كانت المواجهة ضرورية». ولفت إلى أن المعارضة هددت «بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال إقرار المحكمة تحت الفصل السابع، فأقرت تحت هذا الفصل وما الذي حدث؟ لا شيء». وقال: «سنكمل مسيرتنا ولن يردعنا شيء».
وأصدر نواب قوى 14 آذار بيانات دعت مناصريهم إلى المشاركة في الذكرى.

موسى يغادر ببعض الأمل

هذه المواقف جاءت عقب مغادرة موسى بيروت من دون أن تحقق مساعيه أي خرق في جدار الأزمة سوى «بعض الأمل بالحل»، حسبما قال. ورأى أنه ليس كل ما نشر في بعض وسائل الإعلام عن الاجتماع الرباعي صحيحاً، «لأن كل ما نشر متناقض، لكن بعضه صحيح». ونفى علمه بوجود تحفظ أميركي على المبادرة العربية، مؤكداً أنه ليس للمبادرة أبعاد غير عربية، مشدداً على استمرارها.
ورأى نائب رئيس المجلس النيابي، فريد مكاري، أن من الواجبات الأساسية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الذهاب إلى المجلس، وإجراء الانتخابات الرئاسية، دون اتفاقات مسبقة، مشيراً إلى أن بري يتخطى دوره ومسؤوليته، «وهو يرى تأجيل جلسات المجلس أمراً طبيعياً».
واتهم مكاري بري «بتعطيل الحياة النيابية وشل المجلس النيابي»، قائلاً إنه «لو كان لنائب الرئيس الصلاحيات الدستورية التي تمنحه عقد جلسات تشريعية، لما كان أقفل المجلس النيابي».
ورد النائب علي حسن خليل على مكاري، لافتاً إلى أن «من عطّل الحياة النيابية هو فريقك الذي رفض منطق الشراكة التي وحدها تحمي وتطوّر الحياة السياسية في لبنان، والتي أكدها الرئيس بري دوماً، وآخرها خلال اليومين الأخيرين مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى».

ردود على رئيسي «المستقبل» و«الاشتراكي»

في غضون ذلك، أثارت مواقف النائبين الحريري وجنبلاط بشأن المواجهة والحرب ردود فعل عنيفة من جانب المعارضة. ورأى رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة»، النائب محمد رعد، أن تهويل البعض بالمواجهة يدل على عدم خبرة في العمل السياسي لدى هذا البعض. وقال: «إنهم يتفوّهون بما يلقّنون به، ولا يريدون الوصول إلى تسوية حالياً، ذلك لأن المطلوب منهم التريّث حتى أيار المقبل، مؤكداً أنه «لا بوش ولا من بعده يقدر أن يقلب الطاولة في لبنان، لا على المعارضة ولا على المقاومة».
وشدد النائب حسن فضل الله على «أن قدرنا في لبنان هو التفاهم والتعاون والتلاقي، لأن في ذلك ما يبني لنا دولة ومؤسسات، وليس قدرنا أن نتصادم»، مؤكداً «أن الخطاب التصعيدي والتحريضي لفريق السلطة الذي يهدد بالويل والثبور ويستعيد لغة أمراء الميليشيات على حساب استقرار وطمأنينة اللبنانيين، يعكس مأزق هذا الفريق وتوتره ومدى ترجمته للتصعيد الخارجي بأشكاله المختلفة، الذي يحاول استخدام الساحة اللبنانية لتصفية حسابات خارجية»، مضيفاً «أن المأزوم والمتوتر هو من يستخدم الضجيج والصوت العالي الذي لن يصل إلا إلى أذنيه».
ورد نائب رئيس المجلس السياسي في «حزب الله»، محمود قماطي، على جنبلاط، وقال: «لا أعلم من أين تنبع هذه التصريحات، وقبله سبقته إلى ذلك رموز فريق السلطة الأساسيون، حيث أدلوا بتصريحات استفزازية تصعيدية فئوية تهدد وتتوعد، ويقولون نحن حاضرون للمواجهة وحاضرون للحرب».
أضاف: «عندما ترى أن النملة تهدد الأسد تحتار على ماذا تعتمد، وماذا تريد، والى أين تريد أن تجر الأسد، محذراً «من لحظة غضبنا وقرارنا. عندما نقرر النزول إلى الشارع، لن يمنعنا القناصون ولا القتلة المأجورون».
وأكد نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في احتفال بذكرى شهداء المقاومة في منطقة الأوزاعي، أن المشكلة في لبنان هي مشكلة سياسية بين المعارضة والموالاة، لا مشكلة مذهبية بين السنّة والشيعة، ولا مشكلة طائفية بين المسلمين والمسيحيين، لافتاً إلى أن البعض من جماعة الموالاة يريدها مذهبية وطائفية لإثارة مشاعر الناس، لأنهم ضعفاء».
ورأى عضو تكتل «التغيير والإصلاح»، النائب نبيل نقولا، أن جنبلاط «فقد عقله»، وحمّله «مسؤولية كل نقطة دم تسقط على أرض لبنان في حال حصول أي إشكال». وكشف أن تأجيل الجلسة جرى بناءً على طلب النائب الحريري، الذي يريد التفرغ لتحضيرات 14 شباط، فيما رأى النائب إبراهيم كنعان أن كلام جنبلاط هو دعوة للناس «لدفع ضريبة دم» مرة جديدة، بعدما دفعها اللبنانيون في السنوات السابقة».
وأكد النائب شامل موزايا، خلال عشاء لهيئة قضاء جبيل في التيار الوطني الحر، أن «لبنان ليس مزرعة أو مملكة أو إمارة لأحد، لا لآل الحريري ولا لأزلامهم وأتباعهم». ورد على كلام الحريري عن أن رئاسة الجمهورية تمر ببيروت، فقال: «نطمئنه إلى أن رئاسة الجمهورية لن تمر لا ببيروت ولا على درج قريطم ولا في المختارة ولا في سفارات العالم بأكمله، رئاسة الجمهورية هي للمسيحيين، ولن تمر إلا بالرابية».
وأصدرت أمانة البيئة في «تيار التوحيد» بياناً ردت فيه على النائب جنبلاط بالقول: «إنه نظراً لوجوب المحافظة على الثروة الحرجية وعلى إبقاء الأخضر مقدّمة لتشجير اليابس في العقول والنفوس والشجر، نطلب من كل المعنيين من مؤسسات وجمعيات وهيئات مدنية رفع الصوت عالياً في وجه جنبلاط، لما يمثّله من خطر داهم على البيئة الحرجية والنفسية والاجتماعية، وإلى رفع شعار: إن الحرقة ليست في القلب فقط بل في العقل أيضاً».
بدورها استنكرت «الحركة الإصلاحية» في الحزب التقدمي الاشتراكي لغة الحرق والقتل التي اعتمدها جنبلاط.

عائلات الأسرى والضبّاط

وأصدرت زوجة اللواء علي الحاج، سمر الحاج، بياناً ردت فيه على ما ورد في كلام النائب جنبلاط «من تهديد صريح لأمهات وآباء وأولاد وزوجات وأقرباء الضباط الأربعة»، وأشارت إلى أنها «ليست المرة الأولى التي يستبيح فيها النائب جنبلاط دماء عوائل الضباط الأربعة منذ لحظة رفع صورهم في ساحة الشهداء لحظة تنفيذ جريمة 14 شباط 2005». ورأت أن «ما أثار ثائرة السيد جنبلاط هو عدم تمكن التحقيقين اللبناني والدولي حتى الإشارة إلى اتهامهم بدور ما أو بعلم ما بالجريمة النكراء»، مؤكدة أن «أمهات وآباء وزوجات وأقارب وأولاد الضباط الأربعة يعتبرون ما ورد من كلام على لسان النائب جنبلاط، هو تحريض وتهديد علني بالقتل العمد، وبالتالي فهم يعتبرون هذا التهديد بمثابة إخبار».
وحمّلت جنبلاط مسؤولية «تعرّض أي أحد ممن تفضّلت وذكرت إلى جانب الضباط الأربعة، لأدنى حادث أو اعتداء»، مؤكدة «استمرارنا بالتصريح وبالكتابة وبالتعبير، فهو حق ديموقراطي مكتسب، لن يستطيع معاليه انتزاعه، كما اعتاد بالتهديد بإراقة الدماء التي بات يفتقدها».
وأصدرت عائلات الأسرى والمعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية بياناً جاء فيه: «مرة جديدة يفيض قيح وليد جنبلاط وحقده الأعمى. مرة جديدة يستغل قضية أبنائنا الأحباء في سجون الاحتلال في معرض خطابه العدمي والانتحاري». وأكدت «أن قضية الأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال تمر بأدق مراحل عملية التفاوض، بعيداً عن وسائل الإعلام وعبر وسيط سري معيّن من جانب الأمين العام للأمم المتحدة. وإن تحرير الأسرى لا يمت بأي صلة، لا إلى وليد جنبلاط ولا إلى غيره من أقزام السياسة في لبنان. وحده سماحة السيد القائد حسن نصر الله الأمين والمؤتمن على تحرير أسرانا وعودتهم إلى وطنهم مرفوعي الرؤوس ورغماً عن أنف إسرائيل وحلفائها».
وختم البيان: «في شباط 2007، خرج علينا وليد جنبلاط بقصيدة لنزار قباني. أمس كان جنبلاط كالديك الذي قال فيه نزار يوماً: في حارتنا ديك سادي سفاح ... في حارتنا ديك يصرخ عند الفجر كشمشون الجبار. في حارتنا ... ثمة ديك عدواني، فاشيستي، نازي الأفكار. في حارتنا .. ديك عصبي مجنون. يخطب يوماً كالحجاج ... ويمشي زهواً كالمأمون ... هذا وطن لا يحكمه الله ... ولكن .. تحكمه الديكة!».