ثائر غندور
العودة إلى مرحلة ما قبل اتفاق الطائف ليست في مصلحة أحد. بعد ذلك اليوم الذي وقّع فيه أمراء الحرب والطوائف اللبنانية على وثيقة وفاقهم الوطني، خرج العديد منهم ومن معاونيهم ليقول: «أخطأنا في خوض الحرب، لكننا أُجبرنا». لكن هناك من كان فظاً لدرجة أنه لم يعترف بالخطأ، بل رأى أن التاريخ أثبت أن نظريّته خلال الحرب كانت صحيحة. يكفي ذكر أنّ ما يقارب 120 ألف لبناني فقدوا أرواحهم، إضافة إلى آلاف الضحايا النفسيّين والأيتام والمعوّقين والمفقودين.
بعد ما يقارب ثمانية عشر عاماً على انتهاء الحرب القذرة، يعود هؤلاء الأمراء لاستذكار خطاباتهم القديمة. لكن وزير الاتصالات مروان حمادة يرى مطمئناً أنّ هذه الخطابات لا تؤدّي إلى حرب أهليّة لأن الخطابات المتبادلة لا تُخيف الموالاة ولا المعارضة. ويضع حمادة تصعيد الموالاة في خانة الردّ على تمادي المعارضة وتهديداتها وبالتالي الوصول إلى توزان كلامي، ولأن الموالاة والناس شبعوا من «الأيادي المرفوعة والأصابع الممدودة».
بدوره، يرى المسؤول الإعلامي في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريّس أن خطاب النائب وليد جنبلاط جاء رداً على خطابات التخوين والتهديد طوال أشهر. والأكثريّة أكّدت مراراً وتكراراً أنها مع مشروع الدولة وترفض ضرب هذا المشروع عبر تعطيل المؤسّسات وحرق الدواليب. لكنّه أكّد أنه إذا أراد الفريق الثاني الحرب، فـ«نحن جاهزون لها». وجزم الريّس أن «الاشتراكي» لا يريد الحرب أبداً.
لكنّ التصعيد الكلامي الذي بادر إليه الموالون، وقابله عدد من المعارضين بكلام أعنف، يجعل من الضروري إعادة قراءة ما توصّلت إليه لجنة التحقيق الرسمية عن المخطوفين والمفقودين في كانون الأوّل 2005، والتي جاء في تقريرها: «كلّ التنظيمات والميليشيات المسلّحة قامت بعمليات تصفية جسدية متبادلة خلال فترة الأحداث، وقد ألقيت الجثث في أماكن مختلفة من بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب، وتمّ دفن البعض منها في مقابر جماعيّة موجودة داخل مدافن الشهداء في منطقة حرج بيروت، ومدافن مار متر في الأشرفية ومدافن الإنكليز في التحويطة، كما تمّ إلقاء البعض منها في البحر». ومن المفيد أيضاً إعادة قراءة بيان عدد من الجمعيات الأهليّة والمدنيّة في ذكرى بدء الحرب الأهلية في العام الماضي: «إن عملية تدمير الذاكرة المجتمعيّة للشعب هي قمع واضح ومرفوض. إن رفضه والوقوف بوجه هذا النهج التدميري للتاريخ والذاكرة، هو واجب كل فرد وجماعة في مجتمعنا. هو واجب مواطنيّ للحفاظ على الماضي من أجل بناء المستقبل. إن صراعنا هذا، ليس بصراع فئوي أو اتهامي، بل هو صراع الذكرة ضد النسيان، هو انتصار الحياة على ثقافة الخوف والدمار، فلا مكان للحرية من دون الحق بالذاكرة».
وبعدما وضعنا القادة السياسيون على سكة خطاب الحرب من جديد، ربّما حان الوقت لإسقاط العفو عن رؤوس الميليشيات وأمراء القتل والتعذيب. حان الوقت ليقف كلّ من يرى نفسه مواطناً للتضامن والعمل من أجل جلاء حقيقة الإخفاء القسري من قبل إسرائيل والنظام السوري.