strong>غسّان سعود
مرة أخرى، يجد تيار المستقبل نفسه عاجزاً عن الحفاظ على مشروعه واستمرار ووجوده إذا لم يلجأ إلى الشمال. ومرة أخرى، لا يتردد الشماليون في فتح أذرعهم لاستقبال أهل هذا التيار، رغم تذمّر بعضهم من غبن يُلحقه المستقبليون بهذه المنطقة التي تزداد حرماناً يوماً بعد يوم، ويزداد انشغال أهلها عن السياسة بتأمين لقمة العيش.
ومن هذا الواقع، تظهر معادلة تيار المستقبل في الشمال: تيار مالي ضخم يرتبط وجوده بالشماليين، وشماليّون كثيرو العدد يحتاجون إلى مال «المستقبل» ليبقوا على قيد الحياة، في ظلّ تراجع دور الدولة، أو اعتقادهم أنّ ما تقدّمه المؤسسات الرسميّة، إنما يقدمه الرئيس فؤاد السنيورة من جيبه. معادلة أحد وجوه استمراريّتها، عدم جرأة أي طرف ثالث على التدخل فيها. وهكذا يجد النائب سعد الدين الحريري أو خليفة «عبد الناصر الجديد» نفسه مضطراً لشحن عدة حقائب والانتقال مع نوابه إلى فندق «كواليتي إن»، طالباً لقاء من لم يتردّدوا في الانتقال سيراً من مدن الشمال إلى سوريا في 9 شباط 1958 لإلقاء نظرة على الرئيس جمال عبد الناصر.
لكن، رغم نجاح الزيارة الطويلة بوصل بعض ممّا انقطع أخيراً بين الشماليين و«المستقبل»، عاد الحريري إلى قريطم مخلّفاً وراءه جدلاً حول تقويم الزيارة يصعب حسم نتائجه قبل ظهر الخميس المقبل.
فمن جهة، شحذت الزيارة همم الملتزمين في تيار المستقبل والأحزاب الحليفة، وأعادت للشوارع بهجة المواكب الزرقاء وصور الحريري. كما خففت تململ المحايدين من غياب نواب تيار المستقبل وعدم تحقيق معظم الوعود التي قطعوها والحريري عشية انتخابات عام 2005 النيابية.
ومن جهة أخرى، فاقمت الزيارة نقمة البعض على تيار المستقبل، وخصوصاً عند مَن يشمئزون مِن إصرار «المستقبل» على استئجار الشماليين ورهن كرامتهم في سوق السياسة عند كل محطة مفصليّة، إضافة إلى أسف البعض لعدم التزام الحريري بالتقاليد وزيارة مفتي الشمال المنتخب حديثاً في منزله للتهنئة، بدل استدعائه إلى «الكواليتي إن». وفي السلبيات أيضاً، يتحدث البعض عن قلق كثيرين وخوفهم من مشهد المسلّحين في الشوارع، وقد كان في اعتقادهم أن الشمال محيّد من الصراع العسكري.
ويقول عضو المجلس البلدي الطرابلسي السابق غسان غوشة إنّ آمال من التقى الحريري خابت بعدما سمعوه يكرّر على مسامعهم وعوداً قطعها قبل ثلاث سنوات ولم يُنفِّذ منها شيئاً تقريباً. ويستغرب غوشة تضخيم هبة الـ52 مليون دولار التي «تكرّم بها سعد الدين على الشماليين فجأة» وهي لا تُعَدُّ شيئاً بالمقارنة مع الـ42 مليوناً التي سبق للحريري أن أعطاها لجمعية المقاصد وحدها في بيروت.
وفي المقابل، يرى رئيس كتلة المستقبل النيابية في عكار مصطفى هاشم أن منجزات تيار المستقبل الكثيرة «التي سبق لصحيفة «الأخبار» أن عدّدتها، تشهد على الالتزام في تنفيذ الوعود، رغم تعطيل عمل الحكومة، وشلّ قدرة النواب على إقرار المشاريع التنموية لمناطقهم»، لافتاً إلى اضطرار «الشيخ سعد» لأن يدفع من جيبه لمساعدة الناس. ويجزم الهاشم أنّ الخميس سيظهر أنّ ثمّة كذّاباً كبيراً صدّق كذبته عن انهيار تيار المستقبل وتراجُع شعبيّته لمصلحة قوى المعارضة المتمثلة في الشمال بالرئيس عمر كرامي والداعية فتحي يكن وغيرهما ممن «سبق أن وعدوا ووفوا»، كما يقول ساخراً.
وتتحمّل المعارضة، وفق بعض المراقبين، أكبر جزء من المسؤوليّة عن نجاح تيار المستقبل في حشد الشماليين غداً. إذ إن «المستقبل» يغيب ثلاث سنوات ثم يعود. أما المعارضة فتغيب عن الشمال، وتسترسل في الغياب دون وضع خطة أو تصوّر لشكل حضورها المفترض أو بُعده. والناس يتساءلون عمّا قدمه حزب الله، صاحب القدرات الماليّة الاستثنائيّة، لأهل الشمال مقارنةً بما يقدّمه للجنوبيّين والبقاعيّين، وعن كيفية ردّ التيار الوطني الحرّ الجميل للّذين أغدقوا على مرشّحيه المغمورين أصواتهم، فنالوا في بعض البلدات أكثر من تسعين في المئة من نسبة الأصوات.