حسن عليق
ادّعت النيابة العامة العسكرية على ضباط وأفراد من الجيش في أحداث مار مخايل، بجرائم تصل عقوبة بعضها إلى عشر سنوات. لكن عدداً من عناصر الجريمة بقي من دون حسم، بانتظار المراحل القضائية المقبلة

لا تزال مسيرة العدالة في قضية أحداث طريق صيدا القديمة في بدايتها. فبعد ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد على المشتبه فيهم أول من أمس، تُنتظر إحالة الملف على قاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر، الذي سيصدر بعد إنهاء تحقيقاته قراره الظني، محيلاً المتهمين على المحكمة العسكرية. وبعد صدور الحكم يمكن المدانين اللجوء إلى محكمة التمييز للطعن فيه.
لكن ما هي تفاصيل الخطوة القضائية الأولى، وعلامَ تنص المواد التي ادعى القاضي فهد على المشتبه فيهم بموجبها؟
ادعى القاضي على ضابطين برتبة رائد وأحد عشر عسكرياً «وكل من يظهره التحقيق من مدنيين وعسكريين أنهم أقدموا على مخالفة التعليمات العسكرية وعلى إطلاق النار في اتجاه المتظاهرين من غير قصد القتل، وتسببوا بوفاة ستة مدنيين وجرح آخرين»، وهي «الجرائم المنصوص عليها في المواد 166 قضاء عسكري و550 و377 و556 و557 معطوفة على المادة 560 عقوبات».
المواد القانونية الأبرز في هذا الادعاء هي المواد 550 و377 و557 من قانون العقوبات. فالمادة الأولى تنص على أن من «تسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو العنف أو الشدة أو بأي عمل آخر مقصود، عوقب بالأشغال الشاقة 5 سنوات على الأقل». وذكرت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن المقصود بالجرم المنصوص عليه في هذه المادة هو جناية القتل متعدي القصد، ومعناه أن مطلق النار كان يقصد إصابة القتيل من دون توافر نية القتل. أما المادة 557، فتنص على عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة حتى 10 سنوات إذا أدى فعل الإيذاء إلى «قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو إلى تعطيل أحدها أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث حالات تشويه جسيم أو أية عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة». بدورها تنص المادة 377 على تشديد العقوبة بزيادة كل عقوبة مؤقتة من الثلث إلى النصف ومضاعفة الغرامة على الموظفين الذين يرتكبون جريمة أو يحرضون عليها أو يشتركون فيها أو يتدخلون، عبر إساءة استعمال السلطة أو النفوذ المستمدين من وظائفهم.

لماذا أطلقت النيران؟

أما عن التحقيقات التي اختتمت لدى الأجهزة الأمنية، فذكرت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أنه ثبت لدى القائمين على التحقيق أن عناصر الجيش لم يتعرّضوا في المرحلة الأولى من التظاهرة لأي إطلاق نار. وبعدما عجزت قوة الجيش المنتشرة في محيط كنيسة مار مخايل عن ضبط المتظاهرين، بدأ عدد من أفرادها بإطلاق النار. إثر ذلك، أصيب أحمد حمزة أثناء وجوده قرب كنيسة مار مخايل، ما أدى إلى استشهاده. وقد حسمت المرحلة الأولى من التحقيقات أن طلق الكلاشنيكوف الذي استخرج من ذراع الشهيد حمزة لم يُطلَق من البندقية التي عثر عليها بعد الاشتباكات قرب مستشفى الحياة، والتي لم تحسم التحقيقات بعد المكان الذي استُخدمت فيه. وذكرت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن عدداً من العسكريين الذين كانوا متمركزين في منطقة الأحداث كانوا مزودين ببنادق من النوع نفسه، من دون أن تثبت التحقيقات أنهم أطلقوا النار باتجاه المتظاهرين. ولهذه الأسباب، أتى الادعاء على «مجهول ومن يظهره التحقيق من مدنيين وعسكريين»، لإقدامه على قتل أحمد حمزة وإصابته إصابة قاتلة.
أما الضابط برتبة عقيد والعسكريون الخمسة المدعى عليهم بجرم مخالفة التعليمات العسكرية أثناء تنفيذ مهامهم من غير التسبب بإيذاء عدد من الأشخاص، فأكدت مصادر مطلعة عدم ثبوت أي علاقة لهم بإطلاق النيران التي أصابت الشهداء والجرحى. فهؤلاء تلقوا تعليمات بالتوجه إلى المنطقة بعد المرحلة الثانية من إطلاق النيران (الأولى أدت إلى استشهاد حمزة، والثانية سقط فيها أكثر الشهداء والجرحى الآخرين)، وكانت الأوامر تقضي بوصولهم إلى مكان محدد، لكنهم تخطوه. أما المدنيون المجهولون الذين ادعي عليهم بجرم «إضرام النار في سيارات مدنية وإلحاق الضرر بأملاك خاصة، ومحاولة قتل عناصر من الجيش ومن المدنيين بإطلاق النار، وإلقاء القنابل عليهم وإصابة أحد الضباط في خوذته، وإطلاق النار على آليات عسكرية وإلحاق الأضرار بها»، فهؤلاء، بحسب المصادر، أطلقوا النيران على دورية للجيش بعد المرحلة الثانية من إطلاق النار. أما بالنسبة إلى الشخصين اللذين أوقفا لحيازتهما مسدسين حربيين، فأكّدت المصادر أنهما لم يشاركا بإطلاق النار. ورغم حسم التحقيقات لعدد من الفرضيات، بقي عدد من المشتبه فيهم مجهولين، ومنهم رامي القنبلة اليدوية على عدد من الشبان في عين الرمانة.
العملية القضائية بدأت، أما التحقيق الداخلي للجيش فعلمت «الأخبار» أنه لم يشمل أحداً من الضباط الذين هم أعلى رتبة ومنصباً من قائد فوج التدخل الخامس.