149;الحريري يبرّئ إسرائيل من اغتيال والده: شخصيّات كبيرة ستدخل السجون ما لم تقدر عليه السياسة، يحققه الحزن اليوم، بجمعه ساحتي 8 و14 آذار تحت راية تاريخ موحد هو 14 شباط 2008، حيث يتوقع أن تتقاسم بيروت وضاحيتها الجنوبية أضخم تجمع بشري يتوزع بين التأبين والتشييع وإن بفاصل زمني قصير

أحدثت جريمة اغتيال القيادي في «المقاومة الإسلامية» عماد مغنية، صدمة إيجابية على الشارع الذي كان قد شهد ليل الثلاثاء ــ الأربعاء سلسلة إشكالات متنقلة، وخصوصاً أن الجريمة أثارت موجة استنكار عارمة شملت معظم الأطراف المتخاصمة، كان أبرزها الأمانة العامة لقوى 14 آذار التي رأت أن «لبنان يتعرض لموجة عارمة من الإرهاب المتعدد المصادر تستهدف الجميع دون تمييز، وهو أمر يدعونا لأخذ العبر والإسراع في استعادة مناعتنا الوطنية ووحدة الشعب والمؤسسات». وأكدت على صعيد آخر الاستمرار في إحياء الذكرى الثالثة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري اليوم، وفق البرنامج المعلن سابقاً.

دعوات حزبية و... رسمية للمشاركة

وكانت الاستعدادات في ساحة الشهداء قد استُكملت أمس من مختلف النواحي، ولا سيما الأمنية، حيث عمدت عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي إلى تعزيز الحواجز والأسلاك الشائكة في المنطقة الفاصلة بين الساحة ومكان اعتصام المعارضة، مع تكثيف الانتشار في المكان وعلى الطرق المؤدية إليه. فيما نصب منظمو الاحتفال خيمة كبيرة لحماية المشاركين من عوامل الطقس وحجبهم عن الأنظار كاحتياط أمني. كما وضعوا على منصة الخطباء صورة عملاقة لضحايا الاغتيالات، من الحريري حتى الرائد وسام عيد، كُتب عليها: «الشهداء شهداؤنا والساحة ساحتنا. من لبناننا لن ينالوا. الرئاسة الآن».
ومع تواصل الدعوات إلى المشاركة الكثيفة، وأبرزها من «اللقاء اللبناني الموحد في الشمال»، ورئيس جمعية الأسرة الرفاعية غياث الرفاعي، كانت السيارات المزودة بمكبرات الصوت تجوب معظم أحياء العاصمة والشوف وإقليم الخروب والبقاع الغربي والشمال، لحث المناصرين على التوجه إلى ساحة الشهداء مع بث الأناشيد الحماسية وخطابات قادة الموالاة، والإشارة إلى تأمين النقليات وتحديد أماكن التجمعات.
وفي مدينة صيدا، أفاد مراسلنا خالد الغربي بأن ماكينة تيار المستقبل أعدت كل ما يلزم لتوفير أوسع مشاركة، حيث طرقت عناصرها كل الأبواب، بما فيها المنازل غير المحسوبة على التيار، كما جالت على المحال التجارية محاولة استنفار الجماهير على خلفية اغتيال مغنية، بعبارات مثل: «يجب أن تشاركوا كي لا يقول حزب الله إن تشييعه قد حشد مثلنا»، أو «مش حيقدر حزب الله يعمل شي، ملتهي بالتشييع ويخلص براسه».
أما أغرب دعوة، فكانت رسمية، حيث أصدر المدير العام للاستثمار والصيانة، الرئيس المدير العام لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف، تعميماً بعنوان «المشاركة في يوم الوفاء لشهيد لبنان دولة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه الأبرار»، دعا فيه «بناءً على مذكرة دولة رئيس مجلس الوزراء رقم 7/2008 تاريخ 7/2/2008»، جميع «الزملاء من مستخدمين ومتعاقدين ومياومين» إلى المشاركة «في يوم الوفاء لشهيد لبنان (...) في ساحة الحرية في وسط بيروت»، مشيراً إلى أن مذكرة رئيس الحكومة أعلنت اليوم عطلة رسمية في الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات.
وعمم الوزير المستقيل فوزي صلوخ، على السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج، تعليمات بمشاركة أبناء الجاليات في إحياء المناسبة والتركيز على المعاني والقيم الجامعة التي مثّلها الحريري وعلى تشديده الدائم على الوحدة الوطنية وعلى إنجازاته الاقتصادية والإعمارية، لافتاً إلى أن هذه الذكرى «هي مناسبة لتوحيد اللبنانيين والإقلاع عن التنابذ». كذلك أعلنت نقابتا المهندسين في بيروت وطرابلس، توقف العمل فيهما اليوم، للمناسبة نفسها.
وفي كلمة للمناسبة، استذكر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة «رفيق الدرب والصِّبا والنِّضال»، ووضع انتخاب رئيس جديد للجمهورية في «أولوية الأولويات». وقال: «لا يستطيع أحد إلغاء أحد ولا يريده»، مضيفاً: «كلنا نريد الشراكة الحقيقية في كل أوجه القرار ولا حاجة للتعطيل أو التحشيد بحجة الحصولِ على الشراكة أو الوصول إلى الحلول الوطنية الكبرى. إن الشراكة ليستْ مِنّة من أحد على أحد، ولكنها مقتضى العيش المشترك، ومقتضى وجود لبنان وحرياتِه ومقتضى نظامنا الديموقراطي البرلماني ودستورنا الذي ارتضيناه، والذي ينظم العلاقات في ما بيننا».
وقال: «لبنان لا يزال يبحث عن العدالة ويناضل لتثبيت استقلاله، لأن المجرمين الذين ارتكبوا الجريمة النكراء لا يزالون بعيدين عن يد العدالة وإن كانوا ربما أحسوا بخطرها وبقرب إدانتهم وكشف فعلتهم أمام المحكمة الدولية. ولهذه الأسباب فقد ازداد توترهم وصلفهم وهِياجهمْ ضد لبنان»، مردفاً: «هذه القضية، قضية الحرية والاستقلال والدولة المدنية وتطبيق الطائف، التي استشهد رفيق الحريري من أجلها، ليست قضية فئةٍ أو مجموعةٍ، وليست في الوقت ذاتِه، قضية أكثرية، أو أقلية، موالاة أو معارضة، إنها، قضية الوطن كله، قضية كل اللبنانيين من الجنوب إلى النهر الكبير ومن الساحل إلى آخر حبة من تراب جبالنا الشرقية. من هنا تكمن أيضاً أهمية المحكمة ذات الطابع الدولي لردع مسلسل الاغتيال والإرهاب وإيقافه وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار».

تشديد محلي ودولي على قيام المحكمة

وأمس زار مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، على رأس وفد من المفتين وقضاة الشرع ورجال الدين، ضريح الحريري، مكرراً أن اغتياله «هو جريمة كبرى في حق لبنان والعالم». وقال: «إن اللبنانيين ينظرون إلى عدالة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لتكون عقوبة المجرمين الذين اغتالوا» الحريري «عقوبة تاريخية».
كما زار سفير روسيا سيرغي بوكين، الضريح، حيث وضع إكليلاً من الزهر، بعدما كان قد زار الرئيس أمين الجميل. ونقل عنه مكتب الأخير «أن روسيا على اتصال بالمراجع المعنية في الأمم المتحدة من أجل الإسراع في تكوين المحكمة والبدء بأعمالها»، وأن البحث «قائم في موسكو للإسهام في التمويل إذا دعت الحاجة».
والموضوع نفسه كان محور زيارة وداعية قام بها الممثل الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسون للنائب سعد الحريري، قال بعدها إنه نقل له التزام المنظمة الدولية التحقيق وقيام المحكمة، معرباً عن اقتناعه «بأنها ستبدأ عملها قريباً»، و«لن يكون هناك إفلات من العقاب».
وكان الحريري قد قال في حديث إذاعي: «سنرى شخصيات كبيرة تدخل إلى السجون وتقف وراء القضبان، ومهما حاولوا أن يهددوا وأن يهوِّلوا سيذهبون إلى السجون ويمكثون فيها بإذن الله كل حياتهم». واتهم «النظام السوري المتحالف مع إيران» بتعطيل الحل، وباغتيال والده، مستبعداً مسؤولية إسرائيل وأميركا عن ذلك. ورأى أن هدف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله من اتهام إسرائيل هو «الدفاع عن النظام السوري»، نافياً أن تكون قطر قد نقلت طلباً سورياً لإيجاد تسوية تتعلق بالمحكمة. وذكر أن قوى 14 آذار ستعقد سلسلة لقاءات وتتخذ خطوات عدة «لنحاول انتخاب رئيس الجمهورية».
إلى ذلك، تواصلت الدعوات لاعتبار ذكرى اغتيال الحريري «مناسبة وطنية جامعة»، ولـ«تعزيز صيغة العيش المشترك»، وأبرزها من: قوى المعارضة في البقاع الغربي، رئيس حزب النجادة مصطفى الحكيم، اللجنة المركزية لحزب الطاشناق، المؤتمر الشعبي، ورئيس حزب الحوار فؤاد مخزومي.

يكن: للحَجْر على أصحاب الهيجان التسونامي

على صعيد آخر، ردّ النائب قاسم هاشم، على تشكيك النائب وليد جنبلاط في لبنانية مزارع شبعا، قائلاً: «إن قضية احتلال الأرض لا تُعد بالأمتار والمساحات، إنها مسألة كرامة وطنية». فيما هاجم رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن «الحملات التصعيدية التي تجاوزت حدود المعقول والمقبول والمنقول من بعض الزعامات السياسية»، داعياً «إلى إقامة حَجْر سياسي على هؤلاء ليبقى لبنان ويستمر، وليكون المواطنون اللبنانيون في منجاة من هذا «الهيجان التسونامي» الذي لم يسمع له مثيل في تاريخ الأمم والشعوب».
في هذا الوقت، تتجه الأنظار إلى دمشق التي يزورها اليوم وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، ويبحث مع كبار المسؤولين فيها في الأوضاع اللبنانية والعراقية والفلسطينية. فيما أعاد الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان، تعويم دور سوريا، بالقول: «لا يمكن أن نحرز تقدماً في الملف اللبناني دون أن نتحادث مع سوريا»، مشيراً إلى إمكان إعادة إحياء الاتصالات الفرنسية ـــــ السورية «إذا أبدت دمشق نيتها في ذلك». واستنكر انتقادات وزير الخارجية برنار كوشنير لزيارته الأخيرة إلى سوريا، قائلاً إن هذه الزيارة «جاءت بأمر من الرئيس».
ورفض اتهام كوشنير له بأنه يعاني مشكلة في الخبرة، قائلاً: «أنا من أعاد إحياء خريطة الطريق أمام الرئيس، وهي لا تزال تُعَدُّ مرجعاً للجامعة العربية، إذاً فالزيارة لم تكن دون منفعة». وغمز من دور كوشنير، بالقول: «الرئيس هو الذي يدير اللعبة الدبلوماسية كلها في فرنسا»، مشيراً إلى أنه مقرّب جداً من الرئيس، وأن الأخير يفضّل «أن أكون أنا وسيلة الاتصال الدبلوماسية».
...ويبقى المشهد مفتوحاً اليوم على الطرقات، حيث من المؤكد أن مواكب التأبين والتشييع ستلتقي في أكثر من موقع، ما يرفع مستوى الاحتكاك، وربما التصادم، إن لم يُتدارك الأمر مُسبّقاً بإجراءات استثنائية.