الكسليك ـ جوانا عازار
قادت ظروف عمل الوالد في العلاقات الخارجية في الكونغو التوأم أريان وأديت كيتوكو (21سنة) إلى لبنان خلال الحرب الأهلية. فالشقيقتان تنتميان إلى كينشاسا في الكونغو، «لكننا ولدنا هنا ونشعر بأننا لبنانيتان كأيّ لبنانيّ آخر مع فارق وحيد، أنّ والدينا أجنبيّان من الكونغو» تقول أريان. وقد دفع البقاء في لبنان التوأم إلى الاستفادة من التنوّع الثقافي فكانا يتكلّمان مع والدهما لغة بلدهما الأمّ اللينغالا واللغة الفرنسيّة، والعربيّة مع رفاقهما في المدرسة فضلاً عن الإنكليزيّة مع بعض المحيطين بهما، فباتتا تتقنان اللّغات الأربع.
تعلّمت الشقيقتان في مدرسة الـ«Sainte famille francaise» في جونيه حيث كانتا محبوبتين من الجميع، «لم نشعر بأيّ تمييز ضدّنا، وكنّا جميعاً متساوين» تقول أديت التي تأسف للكلام الذي كانتا تسمعانه خارج المدرسة «أنت سرلنكيّة، أنت عبدة». فتعلّق أريان «كانت طريقة البعض بالتحدّث تنطوي على الكثير من الازدراء والاحتقار، والغريب أنّ التمييز العنصريّ يأتي من بعض الأشخاص المتعلّمين الذين نتوقع أن يكونوا على مستوى معيّن من احترام الآخرين». لكن أريان تؤمن بأنّ من ينتقد الآخر يسهم في تحقيق الدعاية له من دون أن يدري، وهذا ما يعطينا الاندفاع لإكمال طريقنا.
تعرف أريان وأديت لبنان بكلّ تفاصيله وزواريبه السياسيّة وتتحدثان عن فريقي 8 و14 آذار من دون أن تبديا تأييداً لأي منهما، واللافت أنّهما تنشدان النشيد الوطنيّ اللبنانيّ وضفائر الـRasta تزيّن شعرهما، «نحن لبنانيّتان منذ أكثر من 10 سنوات ودرسنا في مادّة التربية الوطنيّة والتمييز ضدّنا غير عادل»، على حد تعبير أديت. وتود الشّابتان زيارة بلدهما الأمّ الكونغو وخصوصاً أنّ عائلة والدتهما تطالبهما بذلك منذ زمن بعيد من دون أن تتمكّنا حتّى الآن من تحقيق ذلك لانهماكهما بالدراسة.
أما اليوم فتتابع الشقيقتان سنتهما الدراسية الأولى في جامعة الروح القدس الكسليك في اختصاص العلاقات الدوليّة، «هو مجال واسع ومثير للاهتمام، فنحن نهوى التعرّف إلى الأنظمة المتعدّدة في العالم، ولا سيما في ظلّ غياب الحوار بين عدد من البلدان والنزاعات المتأججّة بينها، كذلك هذا الاختصاص يحض من يتابعه على تقبّل الآخر مهما كان مختلفاً، وربّما اخترنا هذا الاختصاص لأنّنا في اللاوعي عانينا من عدم تقبّل البعض لنا»، تقول أريان. وتردف: «المشكلة أنّ العديد من الأشخاص يكوّنون أفكاراً مسبقة عنّا فيضعون Etiquette على رأسنا من دون معرفة ما في داخلنا، وخصوصاً أنّ المظاهر تتحكّم في تصرّف الكثيرين، وإن كان لدينا عدد من الأصحاب الحقيقييّن الذين يتحكّم بعلاقتنا بهم الاحترام المتبادل».
تذهب الشقيقتان إلى الجامعة أربعة أيّام في الأسبوع، ولا يمكنهما العمل في لبنان بحكم وجودهما بإقامة، من هنا تتمنّيان الحصول على الجنسيّة اللّبنانيّة التي «ستفيدنا كثيراً من الناحية العمليّة»، حسبما توضح أريان.
تعيش أريان وأديت في بلدة غدير مع والدتهما بعدما توفّي الوالد منذ نحو ثماني سنوات. وهما تمضيان قسماً كبيراً من وقتهما في متابعة الأخبار العالميّة، القراءة، مشاهدة البرامج الوثائقيّة عن الحضارات، الثقافات المتنوّعة... وتستهويهما البرامج الاجتماعيّة التي تعرضها الشاشات الأجنبيّة وتأملان أن تعرضها بدورها الشاشات اللّبنانيّة، كذلك تتابعان مباريات كرة القدم دائماً وتهويان الرقص والغناء، وتبقى الثقافة بالنسبة إليهما «أهمّ من العلم الذي تقدمه لنا الكتب المدرسيّة». وبعد نحو ثلاث سنوات موعد انتهاء دروسهما الجامعيّة، تتمنّى أريان أن تصبح دبلوماسيّة، فيما تفضّل أديت أن تنتظر لتنهي دراستها لتقرّر ما سيكون عملها. الشابّتان تتّكلان على نفسيهما وكلّ المسؤوليّة تقع على عاتقهما بعد وفاة والدهما «كنّا نعيش أميرتين تحت كنف والدنا واليوم نشعر بمسؤوليّة كبيرة». الشقيقتان التوأم لا تفترقان منذ مقاعد الدراسة الأولى، وهما تتشابهان في غالبية الأمور، وتقول أديت ممازحة «فقط قياس الثياب يختلف في ما بيننا». وفيما يبقى حلم أريان إنهاء دراستها والعمل بنجاح في اختصاصها، ترى أديت أنّ أحلامها تحقّقت، فهي تشعر بأنّ والدها يسهر عليهم من عليائه، ويهمّها أن يبقى الجميع بصحّة جيّدة متمنّية الخير للجميع وطالبة منهم النّظر إلى الشمس التي تشرق حتماً في مع هطول الأمطار والغيوم.