طيردبا ـ آمال خليل
إنها المرة الأولى التي تعرف فيها طيردبا مكان وزمان ومصير ابنها عماد مغنية منذ هجرانه إياها قسراً مع أسرته إثر الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982 حين كان عنصراً في حركة فتح. وفيما بقيت الأسرة، ولا سيما والده الحاج فايز، تتردد على البلدة، فقد أثر عماد فيها، حتى استحالت على من عرفوه، إلى أن ابتعد وهو في العشرين من عمره، استعادة ملامح وجهه الذي يعرفونه. ويورد، بحسب أحد أبناء البلدة، إمكان تردده على البلدة من دون أن يتعرّف إليه أحد.
فور إعلان نبأ اغتيال ابن البلدة، تضاربت ردود فعل العامة بين الحزن لاستشهاده والذهول للمعلومات التي توردها وسائل الإعلام العالمية عنه، والتي يخال بعضهم أنها «تتحدث عن أسطورة»، لا عن ذلك الفتى الهادئ والخلوق الذي لم يكن تظهر عليه الصفات العسكرية حتى في زمن انضمامه إلى صفوف المقاومة الفلسطينية. فالوجوه بالأمس لم تَصفَرّ لاغتيال المسؤول العسكري والأمني في حزب الله الحاج رضوان كما عرفوا للتو، بل لحجم ما أقدم على فعله قريبهم وجارهم وصديقهم عماد، ليصبح مطلوباً من 42 دولة تدرّجاً منذ عام 1983. فالحناجر التي تجمّعت في ساحة البلدة بجوار منازل أعمام الشهيد مقابل المسجد الذي اتشح بالسواد، كانت تتبادل أخباره التي يتلقفها العامة من كل حدب وصوب، ما عدا أقرباءه الملتزمي الصمت، ليعيدوا صنع الرجل المطلوب الأول الذي مرّ من هنا.
في كل الأحوال، لا يبقى لطيردبا الكثير من طيف ابنها الشبح الذي لم يعد إليها حتى جثماناً، فيما تحوم في شوارعها أخباره ورائحته المنبعثة من بيت الأسرة حيث نشأ، المحروس بأسوار أضخم منه. وحده والده الحاج فايز من يلصق بطيردبا وأهلها حاله وأحواله؛ فهو لم يتوقف عن التردد إلى البلدة للقاء أهلها والاهتمام بحديقة المنزل. وإن كانت البلدة لا تعرف عماد، فإن لديها الكثير عن الحاج فايز أبي الشهداء، الذي اكتمل النصاب لديه باستشهاد ابنه الباقي عماد بعد استشهاد جهاد في عام 1984 بقصف على الضاحية الجنوبية، فيما افتدى فؤاد أخاه في العبوة التي استهدفته لاغتياله بالقرب من منزل أهله في الصفير في عام 1998.
وفور شيوع نبأ الاغتيال تقاطر أهالي قرى منطقة صور إلى بلدته طيردبا عفوياً لاستدراك ما جرى وللوقوف مع أقربائه في واجب العزاء والحداد الذي تبنّاه الناس بشكل فوري وبدأت تتحضّر الجموع من طيردبا والجنوب للمشاركة في تشييع مغنية، فيما انهمك قسم الإعلام في الحزب بطبع اللافتات التي تحمل العبارات المنددة وتوزيع الأعلام السوداء ورفع الأقواس الصفراء والسوداء عند مدخل البلدة وعند مدخل مدينة صور الشمالي وعند المفترقات الرئيسية على طول الطريق المؤدي إلى الجنوب.
ومن بعلبك كتب مراسل «الأخبار» علي يزبك: عمت مظاهر الحزن المجبول بالغضب مدينة بعلبك ومنطقتها بعد إعلان استشهاد مغنية، ورفعت الأعلام السوداء واللافتات على مداخل المدينة. وانعكست حال الحزن على الحركة في المنطقة، حيث أُقفلت العديد من المحالّ وشلت الحركة، فيما تسمر المواطنون أمام شاشات التلفزة وهم يتابعون الملاحق الأخبارية.
ومن صيدا نقل خالد الغربي ردود الفعل على الاغتيال، حيث سارع رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد إلى تأليف وفد لكي يكون في طليعة المتضامنين مع حزب الله، وسارع الناصريون إلى رفع لافتات تندد بالجريمة وتتهم إسرائيل بها. وفيما لم تتم التعبئة العامة للمشاركة في تشييع مغنية، فإن التنظيم وقوى أخرى، منها الحزب الديموقراطي الشعبي، ستشارك على مستوى المحازبين في تشييعه.
ورصد مراسل «الأخبار» في بنت جبيل داني الأمين حال الذهول في عيتا الشعب وبنت جبيل ومارون الراس وغيرها. عند وصول نبأ استشهاد مغنية، حيث سار بعض الأهالي في الشوارع مستنكرين ومعبرين عن حزنهم العميق، لتعود إليهم «ذكرى الغدر وقت استشهاد الشهيد عباس الموسوي». ففي بلدة عيتا الشعب نزل بعض الأهالي إلى الشوارع وعلّقوا اللافتات السوداء. أما في بنت جبيل فقد أعلن رئيس المجلس البلدي اليوم يوم حداد عام. وعبّر أهالي بلدة مارون الرّاس عن سخطهم الشديد.
والصورة نفسها عكسها من مرجعيون عساف أبو رحال، الذي أشار إلى تلقي قرى المنطقة الخبر بذهول واستنكار شديدين. ومع إعلان موعد التشييع بدأت الاستعدادات في أغلب القرى للمشاركة الشعبية والحزبية.