رامي زريق
خمسة وثلاثون مليون دولار: هذا كل ما يتطلّبه تطبيق «مخطط سياسات العلم والتكنولوجيا والإبداع» الذي أعدّه المجلس الوطني للبحوث العلمية. قد يبدو هذا الرقم مرتفعاً للوهلة الأولى، ولكنه يتقزّم عند المقارنة مع بعض الأرقام المتداولة حالياً مثل دعم الدولة للطحين الذي تنهبه الكارتيلات، أو حتى مع التبرعات «الخيرية» التي قد تدفع لأهالي بعض المناطق مكافأة على قدراتهم المهرجانية. لقد قام المجلس بالمهمة المناطة به، وجهّز خطّته (وقد يكون الجهة الرسمية الوحيدة التي توجد لديها استراتيجية)، ولكن يحق لنا اليوم التساؤل: ما فائدة هذا العمل بغياب دولة تشجع العلم والإبداع وتؤمن الجو التشريعي المواتي للانتقال من العمل النظري إلى التطبيق الاقتصادي لمصلحة المجتمع؟ كيف نضمن، في غياب البيئة الاستثمارية، عودة عشرات المتخصصين الذين سيستفيدون من دعم المجلس؟ فالمجلس لا يستطيع أن يعمل في الفراغ، ولا جدوى لأي استراتيجية ما لم تكن تحقق التكامل مع القطاعات الأخرى مثل الزراعة والصناعة والتعليم الجامعي. على الدولة هنا أن تعي هذه التحديات، وأن تخلق الأجواء المواتية لنجاح الاستراتيجية، وللانتقال من نمط الاقتصاد الريعي السائد حالياً إلى اقتصاد متنوّع مبني على قطاعات منتجة ومبتكرة.
تبرر الدولة دائماً قصورها بغياب التمويل والسيولة لتنفيذ الخطط، وتحاول تلزيم قطاعات البحث والإبداع التكنولوجي للمانحين الأجانب. وإذا ما ظلت الأمور على حالها، فسنلتفت يوماً لنكتشف أنه لم يعد يوجد من يستفيد من التمويل للبحث والإبداع، وأن كل من لديهم مهنة أو شهادة قد هاجروا تاركين خلفهم التجار وأصحاب المصارف والراقصات (مع كل الاحترام للراقصات).