strong> مهى زراقط
يحيا الشهيد بعد مماته. هذه هي القاعدة لدى المؤمنين بدرب المقاومة والاستشهاد حيث «الشهداء أحياء عند ربّهم».
لكن معناها يصبح أكثر دلالة في حالة الشهيد عماد مغنية الذي «عاش» أمس. هذا ما تعبّر عنه الحاجة دعد، الجالسة إلى يمين والدة الشهيد عماد. تقول: «اليوم عاش الحاج عماد»، فتهزّ الوالدة رأسها موافقة على هذه العبارة. والدليل؟ عدم رفضها الحديث مع الإعلام كما كانت تفعل طيلة السنوات الماضية، وكما فعلت بعد استشهاد ولديها جهاد أولاً وفؤاد ثانياً.
«لم أكن أحكي كي أحافظ على حياته، كي لا أكشفه»، تقول وهي تقرّب وجهها لتسمع السؤال التالي وتأتي إجابتها عنه سريعة: «ما بعرف» مع ابتسامة معتذرة عن عدم القدرة على البوح بكلّ شيء. تقول لها فتاة جالسة قربها، قد تكون شقيقته: «أخبريها، لقد استشهد وانتهى الأمر»، تفكرّ قليلاً ثم تجيب: «آخر مرة رأيته فيها كانت قبل يومين. كان مريضاً وكنت أحقنه بالإبر». لكنها لا تقول أين رأته... في لبنان أو خارجه؟ تكتفي بالصمت.
إجابات الحاجة أم عماد المتماسكة لا تختلف عن محيّاها. هدوء وصلابة يميّزانها في جلستها عن بقية النسوة الجالسات في الصف الأول. حتى إن المصوّرين الذين تربصوا بالدموع ليلتقطوها عساها تكون دموع الوالدة، لم يعرفوا أن من يبحثون عنها هي السيدة التي لم تبكِ بعد. صلابة لم يهزّها فقدانها الشاب الثالث من أولادها «ويا ليت كان عندي المزيد من الشباب ليواصلوا المسيرة».
لا يبدو على هذه الوالدة أنها تقلّ عن ابنها التزاماً بالمقاومة، وهي التي حرمت نفسها من الكثير، حتى من صوره. وفوجئت كما كلّ اللبنانيين، بصورته التي وزّعها إعلام حزب الله «رأيتها كما رأيتموها لأوّل مرة... أنا لا أملك أيّ صورة له. حتى صوره طفلاً أخذها ولا أعلم عنها شيئاً».
كانت الحاجة أم عماد تعرف أن ابنها في سوريا، وعندما وقع الانفجار سمعت بالخبر لكنها لم تعرف أنه هو المستهدَف إلا عندما زارهم من أخبرهم بالأمر: «نحن ننتظر هذا الخبر منذ اختار ابني درب المقاومة».
تلقت الخبر بشجاعة وصبر وقد سبق لها خسارة شابين: «جهاد الذي استشهد وكان في الثامنة عشرة من عمره فلم يتزوّج ولم ينجب، وفؤاد الذي ترك ثلاثة أولاد»... عماد هو أيضاً والد لثلاثة أولاد: صبيّين وبنت». وأين زوجته؟ «تريدين أن تعرفي أين هي؟ إنها عند قبره تنظّفه»، تقول بنبرة حازمة تؤكد الاستمرار في هذا الخط الذي يدفع إليه الظلم: «الظلم هو الذي يولّد الشجاعة. مع السنوات كنا نقوّي عزيمتنا، يساعد أحدنا الآخر لكي نتماسك ونكمل المسيرة».
تنجح الأم في منع دموعها من الانهمار حتى نهاية التشييع... لكنها، حين يطلّ السيّد حسن، لا تخفي انفعالاً تقضي عليه سريعاً بتحسين جلستها والاستماع إليه يبارك الاصطفاء الإلهي لعائلتها.