عمر نشابة
اقترب موعد انطلاق عمل المحكمة الدولية الخاصة للنظر في الجريمة الإرهابية التي استهدفت الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 وجرائم أخرى إذا ثبت تلازمها معها. ومع استمرار خلاف اللبنانيين على صدقية وشرعية هذه المحكمة رغم إجماعهم على تحقيق العدالة، طرحت «الأخبار» أسئلة على نيكولا ميشال، مساعد بان كي مون للشؤون القانونية بشأن «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية»

إثر إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان بناءً على القرار 1757 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، تحت الفصل السابع، تحقق عدد من الخطوات المهمة. فإضافة إلى اختيار هولندا دولةً مضيفة وتوقيع اتفاق معها بهذا الشأن، وتأمين الأموال اللازمة لتشغيل المحكمة خلال السنة الأولى، واختيار الرئيس الحالي للجنة التحقيق الدولية القاضي دانيال بلمار مدعياً عاماً، على أن يتسلم مهماته في اليوم الأول لبدء المحكمة عملها، كانت من أهم الخطوات دعوة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لإرسال لوائح تتضمّن قضاة مرشحين للانضمام إلى المحكمة. وقد شُكّل فريق لاختيار القضاة يتألف من قاضيين دوليين ونيكولا ميشال. وقد أرسلت الحكومة اللبنانية لائحة بأسماء 12 قاضياً، ليختار الفريق أربعة منهم، بحسب ما يقتضيه نظام المحكمة.
وفي هذا الإطار، طرحت «الأخبار» أسئلة على مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية، نيكولا ميشال، خلال مقابلة هاتفية بين بيروت ونيويورك. وتمحورت الأسئلة حول معايير اختيار القضاة، وما نُسِب إلى ميشال عن رئيس لجنة التحقيق الدولية الأسبق ديتليف ميليس، وسجن ضباط ومواطنين مشتبه فيهم لثلاث سنوات قبل المحاكمة. كما ركّزت الأسئلة على مبدأ قرينة البراءة بعد تجاهله محلياً ودولياً على نطاق واسع.
كما أرسلت «الأخبار» إلى ميشال، بالبريد الإلكتروني، مجموعة من الأسئلة، طلب مسؤول في الأمم المتحدة من «الأخبار» أن تنسب أجوبة ميشال عنها إلى مكتبه، لا إليه شخصياً.

معايير اختيار القضاة

أقرّ ميشال خلال محاورته تلفونياً، أن القضاة يشكلون «واجهة المحكمة» وأصرّ على ضرورة أن يكونوا «على خلق رفيع، وأن تتوافر فيهم صفتا التجرد والنزاهة، مع خبرة قضائية واسعة»، مشدّداً على أن «يتمتع القضاة بالاستقلال في أداء مهماتهم» كما تنصّ الفقرة التاسعة من نظام المحكمة (ملحق القرار 1757).
سألت «الأخبار»: هل يمكننا أن نطّلع على المعايير المفصّلة التي اعتمدتموها في اختيار القضاة اللبنانيين والأجانب في المحكمة الخاصة بلبنان وليس فقط المعايير العامّة التي يتضمّنها ملحق القرار 1757؟
فأجاب «مكتب ميشال»: «لا توجد معايير «مفصّلة». إن اختيار القضاة تمّ بناءً على المعايير المذكورة في ملحق القرار 1757 بما فيه نظام المحكمة».
لكن من المفترض أن يكون فريق اختيار القضاة قد اطّلع على ملفات القضاة المرشحين واستعلم عنهم قبل اختيارهم. ومن المفترض التدقيق جيداً بكلّ ما يتعلّق بالقضاة وذلك من أجل احترام «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية» (نصّ القرار 1757). فسألت «الأخبار»: من أين حصلتم على معلومات عن خلفية وكفاءة القضاة اللبنانيين المرشحين؟ فأجاب «مكتب ميشال»: «طبقاً لما ينصّ عليه ملحق القرار 1757، أرسلت لائحة من القضاة المرشحين اللبنانيين الذين اختارهم مجلس القضاء الأعلى، في ظرف مختوم من الحكومة اللبنانية إلى الأمم المتحدة. اختار فريق الاختيار القضاة بناءً على المعايير المذكورة في ملحق القرار 1757. بعد عملية فرز مكثّفة، أوصى فريق الاختيار مرشحين على أساس المعايير المعتمدة».
وسأل ميشال خلال المقابلة التلفونية «في سؤالك عن مصدر معلوماتنا عن القضاة اللبنانيين، لو كنت فريق الاختيار، كيف كنت ستعمل؟» فكان جواب المحاور: كنت سألت جهات مختلفة في البلد المعني، وربما عدداً من الجامعات والجمعيات الأهلية وسياسيين من جهات مختلفة في لبنان، وليس تكوين رأي مستند حصرياً إلى رأي الدولة. وعندما أصرّت «الأخبار» عبر طلب الحصول على وصف مفصل للخطوات المتبعة من دون ذكر أي معلومة عن مضمون الملفات أو المعلومات المجموعة، ومع من أجريت مقابلات، وهل راجع فريق الاختيار أياً من كتابات القضاة المرشحين أو أياً من القضايا السابقة التي عملوا عليها؟
أجاب مكتب ميشال: «أنتم لا تتوقعون منا العودة إلى آدم وحواء». فأعيد طرح السؤال الآتي على المساعد القانوني لبان كي مون: لا نقصد آدم وحواء أبداً. لكن، ولمعرفة ما إذا كان القاضي عادلاً، ألا تجدر دراسة القضايا التي عمل عليها سابقاً؟ فقال «أنتم تعرفون أن القاضيين مهدي وموزه (عضوين في فريق اختيار القضاة) هما قاضيان محترفان بامتياز. هما قاضيان منذ سنوات، وأجريا مقابلات فردية طويلة مع القضاة المرشحين. والقاضي الجيد يعرف كيف يطرح الأسئلة، وبعد مقابلة مدتها ساعة، يستطيع معرفة وتحديد المواصفات الدقيقة للشخص التي تجرى معه المقابلة». فسألت «الأخبار»: هل نستطيع معرفة نوعية المعلومات الموجودة في الملفات؟ فأجاب ميشال: «ما أستطيع المساعدة به هو الواقع، وسأحاول مساعدتك بأفضل ما يمكنني. ما أستطيع أن أقوله لك هو: ستكون متفاجئاً وراضياً لرؤية أن القضاة سيعملون كقضاة دوليين كفوئين. ليس لديّ أي شك بذلك. ولهذا السبب أنا أنتظر أن تبدأ المحكمة عملها، وبالتحديد لأن كل هذه الأمور غير المؤكدة سيجري تجاوزها حينها».

ميليس الـ«ممتاز»

سألت «الأخبار» ميشال عمّا نسب إليه في مقابلته مع الزميلة «النهار» من تقويم لعمل رئيسي لجنة التحقيق الدولية ميليس وبراميرتس. وعلى أي أساس استند لإعلان تقويمه، وخاصة أن ميليس كان قد نشر أسماء شهود وأجزاء من إفاداتهم في تقريره الأوّل من دون وجود برنامج لحماية الشهود، وهو ما يعدّ تجاوزاً للمعايير المهنية والقانونية.
أكّد ميشال أن ميليس «ممتاز من الناحية المهنية». ولا يزال مصراً على هذا القول الذي «لا يجب أن يفهم بأي وسيلة من الوسائل على أنه حكم خاص على جودة عمله التحقيقي». وقال «مكتب ميشال» إنه «غير مطّلع على معلومات تعدّ بطبيعتها فائقة السرية». وأضاف إنه لن يعلّق على تصريحات منسوبة إلى رئيس اللجنة السابق أو على تصريحات قالها ميليس، كذلك الأمر بالنسبة إلى عمل لجنة التحقيق الدولية.

الاحتجاز التعسفي والإعدام؟

القرار 1757 الذي أنشئت المحكمة بموجبه بناءً على رغبة مجلس الأمن بتحقيق العدالة في لبنان. منذ اغتيال الحريري قبل ثلاث سنوات أوقف عدداً من الأشخاص بناءً على توصية ميليس. لم توجه أي تهم رسمية لهم. سألت «الأخبار» ميشال ما إذا كان هذا الأمر مقبولاً بناءً على معايير الأمم المتحدة والعدالة. فأجاب مكتبه أن «القرار في قضية الحريري والموقوفين متعلق حصرياً بالسلطات اللبنانية». وأضاف: «إن أي تدخل مباشر من الأمانة العامة للأمم المتحدة في المجريات الجنائية اللبنانية سيشكل تدخلاً خاطئاً. ولقد زودت لجنة التحقيق الدولية السلطات اللبنانية بكل العناصر الواقعية الموجودة في حوزتها ليكون بإمكانها اتخاذ قرار مبني على معلومات دقيقة».
وعند السؤال عن أحكام المحكمة، وخصوصاً بعد حديث النائب وليد جنبلاط عن إتيان المحكمة بالمشانق للضباط الموقوفين وعائلاتهم. قال مكتب ميشال: «رغم أن قانون العقوبات اللبناني هو القانون المتبع في المحكمة، إلا أن عدداً من العقوبات لن تكون مطبقة مثل عقوبتي الإعدام والأشغال الشاقة. لدى المحكمة السلطة لتطبيق عقوبات تصل حتى الحبس المؤبد». وأضاف المكتب «في جميع الأحوال، سيكون للقضاة حصرياً حق تقرير الإدانة والحكم. وسيتخذون قرارهم بكل استقلالية مستندين على أفضل معايير العدالة الجنائية الدولية. ولن يكون لأي جهة سياسية السلطة للتدخل في عملهم بأي طريقة من الطرق».

«سوء فهم» ميشال

أفاد مكتب ميشال أن ما قاله لإحدى الصحف العربية «أُخِذ بشكل مبالغ فيه». وأن «سوء الفهم نتج عن زلة في الترجمة العربية» للمقابلة التي أعطاها إلى صحيفة «الحياة» تتعلق بوضع «أل» التعريف قبل كلمة محكمة عندما قال إن المسؤولين عن الاغتيالات السياسية في لبنان يجب أن يعرفوا أن هذه الأفعال ستقودهم إلى الوقوف أمام قاض ومحكمة. كان المقصود أنه «لا يجب أن يكون هناك إفلات من العقاب لهذه الأفعال». إضافة إلى ذلك، أكّد مكتب ميشال أنه لم يقل، «لا تصريحاً ولا تلميحاً، ما يمكن أن يبدو استباقاً لنتائج عمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة أو لعمل المحكمة الخاصة».
أخيراً، سألت «الأخبار»: هل تحاول دولة أو منظمة ما توقيف المحكمة أو تأخيرها أو التأثير عليها بأي طريقة من الطرق؟ وأجاب مكتب ميشال: «لسنا مطّلعين على أيّ محاولات كهذه».