غسان سعود
شعر معظم المحتشدين في مجمع سيّد الشهداء لسماع السيد حسن نصر الله بتعب «المقاومين» من اضطرارهم إلى تمحيص كل كلمة يقولونها منذ ثلاث سنوات حتى لا يستفزوا أحداً، فيما الآخرون ماضون في «الكلام المرتاح». وبموازاة إصرار نواب حزب الله وغالبية مسؤوليه على الصمت، كان المطلعون على أسى أهل المقاومة يؤكدون أن هذا الشعور سيخلط أوراقاً كثيرة، المحلية منها أكثر من الإقليمية بكثير، بعدما قضى الأمر «بأن الحسمين الداخلي والخارجي مرتبطان جداً بعضهما ببعض». ويشير أحد المقربين من الحزب إلى «نيّة المقاومين الذهاب في رفع تحديات المرحلة المقبلة أبعد بكثير مما يظن البعض».
فمن جهة، يقول السيّد نصر الله إن «حرب تموز مستمرة»، وبالتالي فالنقاش في شرعية السلاح «ضرْب من الغباء والعمالة» كما يؤكد الرجل. ومن جهة أخرى، يُحرر تعامل الأكثرية مع استشهاد مغنية حزب الله من العبء الأخلاقي الذي وقع تحته منذ اغتيال الحريري، والذي دفعه صوب مؤاساة الحريري الابن سياسياً، والسكوت عن تدويل القضايا اللبنانية وتحويل السرايا الحكومية إلى مكتب تابع لوزارة الخارجية الأميركية لمجرد الاشتباه في دور سوري ما في جريمة 14 شباط.
علماً أن مكانة الحريري بالنسبة للملك عبد الله لا تساوي، وفق المصدر نفسه، مكانة مغنيّة عند خامنئي، داعياً الأكثرية المتهمة بالتحالف مع الولايات المتحدة، المرحّبة باغتيال مغنيّة، إلى توقع ثلاث سنوات صعبة تشبه تلك التي عاشها الحزب إثر اتهامه بالتحالف مع سوريا، داعياً الأغلبيين إلى «تحمل حرب الحزب على الإسرائيليين كما تحمل هو حربهم على السوريين».
وعلى خط موازٍ، يقول المصدر إن الحزب في ذهابه نحو الحرب المفتوحة لا يمس أبداً بالتفاهم مع التيار الوطني الحر، خصوصاً أن المقاومة ستكتفي بالرد على الصفعة بصفعة، وستبقى «الحرب الشاملة لتغيير المعادلة» رهينة اندفاعة اسرائيل في اتجاه شن اعتداء على لبنان. وهذا ما كرسه التفاهم في حق المقاومة بالدفاع عن لبنان. الأمر الذي تثني عليه الرابية ويؤكده أحد نواب التيار الوطني الذي ينقل عن العونيين ثقتهم بحكمة الحزب، وبتضحيته الغالي والرخيص للحفاظ على التفاهم.
على صعيد آخر، يؤكد أحد المتابعين عن قرب لحركة الحزب السياسية أن أولوية المحازبين اليوم هي لاستعادة الهيبة العسكرية، لكن هذا لا يعني أبداً أن الحزب سيعود إلى ما قبل 14 شباط 2005 (تاريخ دخوله الفعلي في السياسة المحليّة الضيقة)، بل سيضع القفازات التي حرص على استخدامها منذ ثلاث سنوات جانباً، وسيكون حاسماً في خوض الصراع المحلي.
ويستحضر المتابع استنتاج الصحافي الإسرائيلي أيال زيسر في مقاله أول من أمس بصحيفة «معاريف» بعد متابعته لرد الفعل اللبناني والدولي على اغتيال مغنية أن «إسرائيل هي فقط واحدة من الأعداء وليست بالضرورة الاخطر بالنسبة للحزب». ليقول إن دعوة نصر الله لوليد جنبلاط إلى المغادرة لم تكن عفوية، فالسيّد يختار كلماته بدقّة متناهية، علماً أن معظم نواب الحزب التقدمي الاشتراكي غابوا أمس عن السمع، فيما اكتفى أحدهم بالقول إن «خطاب السيّد كان أشبه بنعي سياسي للحزب، وكان يفترض بالمهددين بقدرة صواريخهم على الوصول إلى غرفة نوم وليد جنبلاط أن يحموا جيداً غرف نومهم».