أنطون الخوري حرب
تنقشع الموجة الضبابية التي سادت بكركي في سجالاتها الأخيرة مع السياسيين المسيحيين في المعارضة، لتنجلي الرؤية المتباينة بين أركان البطريركية المارونية ونواب سيد الصرح.
فبعد هدوء العاصفة التي بدأت بكلام رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والتي استكملت بحملة ردود للبطريرك صفير عليه وعلى النائب ميشال عون، يقرأ أحد الأساقفة بين سطور ذلك السجال على مستوى النتائج. فالبطريرك الذي بات يعد على رأس أحد أطراف الانقسام السياسي في الميدان المسيحي من خلال تأييده الكامل لمواقف فريق السلطة، حيث وضع المرجعية المارونية في وضع انحيازي بلغ أوجه منذ عام 1989، «وهو كان بغنى عن هذه الانزلاقة لو بقي على تمسكه بثوابت الكنيسة المارونية التي أعلنّاها قبل أشهر»، أصبح في وضع يحد حرية حركته في لمِّ شمل أبناء طائفته. ويلاقي أحد جلساء النائب البطريركي، وهو رئيس سابق للرابطة المارونية مضيفه في رأيه، مستطرداً: «لقد نصحنا البطرك بأن يتجنب أية مواقف متناقضة منذ إقرار قانون الانتخابات النيابية عام 2005، حين سحب المطران يوسف بشارة من قرنة شهوان، منهياً ذلك التجمع الذي اندمج بلقاء البريستول، لكنه عاد واستقبلهم ومنحهم براءة ذمّة بعدما اعتبرهم منتهكين لحقوق طائفتهم». وقبل ذلك، يضيف الزائر: «وجّه المطارنة نداءهم الشهير عام 2000 لجلاء الجيش السوري، ثم عاد ورفض التدخل الأميركي والفرنسي، مشيداً بحكمة الرئيس السوري بشار الأسد وبشجاعته». وبالانتقال إلى الوضع الحالي والمستقبلي، يتوقع الركن البطريركي عودة العلاقات المسيحية ـــــ المسيحية إلى الاستقرار بعدما «فهم الجميع أن الانقسام السياسي يجب أن لا يمتد إلى بكركي لتبقى لديها القدرة على ممارسة مرجعيتها في القضايا التي تطاول الوجود السياسي المسيحي والكيان اللبناني».
لكن زائر بكركي المدني لا يشارك الأسقف تفاؤله «لأن الانقسام مع بكركي وعليها سوف يتعمّق على خلفية الصراع السياسي، وسيزداد الشرخ اتساعاً بين القوى المسيحية، وفي ظل مقاطعة المعارضة المسيحية للبطريرك الماروني، وستبقى بكركي منبراً لمسيحيي السلطة وحلفائهم، فيما خصومهم يفتشون عن حل لدى الفاتيكان». ويتضاعف هذا التوجه للتفلت من مرجعية صفير بعد المعلومات التي وردت عن احتمال سير البطريرك بمعادلة النصف زائداً واحداً لانتخاب العماد ميشال سليمان التي كان قد لمّح إليها بالتعبير عن ضرورة انتخاب الرئيس بالأكثرية إذا لم يتحقق التوافق، متراجعاً عن موقف مبدئي هو التمسك بالنصاب الدستوري.
لا يبدو ممّا تقدّم أن التطورات السياسية الأخيرة قد أعادت بعض اللحمة إلى صفوف المسيحيين. كما يشير الصراع العام إلى استمرار التجاذب والاختلاف بين المرجعيتين السياسية والدينية المارونية ليصبح الوضع مشابهاً لوضع البطريرك خريش، فهل تعب البطريرك صفير من مهامه وهو على عتبة عامه التسعين، ليحل مكانه مدبّر رسولي على غرار المطران إبراهيم الحلو الذي انتدبه الفاتيكان للحلول في سدّة البطريركية بعد استقالة البطريرك خريش؟