strong>عبد الكافي الصمد
•«من نصّبوا أنفسهم حماته يتاجرون بمبادئه، وننتظر تحقيق مطالبنا للعودة»
كشفت مشاركة الشّماليين في الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري تراجعاً ملحوظاً عمّا كانت عليه في العامين الماضيين، مما دفع إلى التساؤل عن الأسباب الحقيقية وراءه، وهل هو تراجع في شعبية تيّار المستقبل؟

منطقة الشمال لا تزال تعدّ الخزّان الرئيسي الرافد لتيار المستقبل على كلّ المستويات، وفي هذه المنطقة يخضع التيار لمحاولة «استقراء» جدّية بدأت على نطاق ضيق حول مستقبل التيّار في الشّمال، من جانب القوى السّياسية الأخرى، المتحالفة معه أو المنافسة له على السواء.
وظهر الصراع الداخلي على مراكز النفوذ والمواقع ضمن المستقبل، وخاصة عند التحضير للذكرى الثالثة لاغتيال رفيق الحريري، مما انعكس سلباً على تواصله مع جمهوره، إضافة إلى علاقته مع سائر المواطنين، الذين أبدوا تجاهه، وتحديداً عام 2005، تعاطفاً سياسياً غير مسبوق في تاريخ الشمال الحديث.
فعشية التحضير لمشاركة أنصار التيّار في الضنّية باحتفال ساحة الشّهداء، والجهود التي بذلت لمحاولة حشد أكبر عدد من المواطنين فيه، برزت على السطح خلافات بين مسؤولي التيّار في المنطقة ومنتسبين إليه، على خلفية التباين في وجهات النّظر في ما يتعلق بآلية التنظيم والعمل، وتوزيع المهام والمراكز على ممثلي التيّار في البلدات والقرى.
فقبل المهرجان بيومين وزّع مناصرون للتيّار في المنطقة (عبد الرحمن جبارة وعدنان جمال) بياناً تحت عنوان «أنصار الرئيس رفيق الحريري في الضنّية»، هاجموا فيه من سمّوهم «أصحاب المناصب الرخيصة والمراكز التافهة، كهؤلاء الذين اندسّوا في هذه الثورة العظيمة: ثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال، الذين انقلبوا على أسيادهم حين لم يجدوا ما يلهثون من أجله، أو البقاء في مناصب الذلّ والتبعية، عن طريق المنصّبين أنفسهم في تيّار المستقبل في الضنّية، الذين يتاجرون بالمبادئ والقيم التي استشهد من أجلها الرئيس الحريري».
وإذ أشار البيان إلى أنّ أصحابه هم «مجموعة من الشباب الذين ناضلوا في سبيل استمرار نهج الشهيد»، فإنّ هذه الحركة الاعتراضية داخل التيّار في الضنّية ليست الأولى، إذ سبقها قبل أكثر من عامين ظهور مجموعة أطلقت على نفسها اسم «الحركة الإصلاحية في تيّار المستقبل»، قالت إنها ممثلة لـ«تيّار الحريري»، وبرزت بعد اتصال أحد أعضائها علي الغول بمحطة «إل. بي. سي» خلال برنامج «كلام النّاس»، حيث أطلق اتهامات ضد حزب الله وسوريا، وعبارات فسّرت بأنّها «تحريضية وتتضمن نعرات مذهبية»، ورآها منسّق التيّار في الضنّية حينها، وزير الشباب والرياضة أحمد فتفت، غير مقبولة، وأصدر بياناً أوضح فيه أنّ الغول كان «يعبّر عن رأيه الشخصي»، وتمّ فصله من التيّار.
وفي الوقت الذي فضّل فيه مسؤولو التيّار في الضنّية «عدم التطرّق إلى الموضوع حرصاً على إنجاح المشاركة في الاحتفال، ولأنّ الموضوع لا يستحق كلّ هذه الضجّة»، أوضح الغول أنّ الخلاف الجديد نشأ «بعد تعيين التيّار ممثلاً له في بلدة بخعون، الأمر الذي رآه مصدرو البيان مجحفاً بحقهم، إذ كانوا يرون أنهم هم أولى بذلك، فاغتنموا المناسبة لإبراز هذا الاعتراض، إضافة إلى أنّهم غير راضين عن أداء التيّار في الضنّية، فضلاً عن أنّهم وجدوا مثلنا من يمدهم بالدّعم من التيّار في بيروت، بمعزل عن التيّار في الضنّية، لمساعدتهم على تمكين المواطنين من المشاركة في المهرجان».
وعن مصير «الحركة الإصلاحية» الآن، قال الغول «إنّنا بانتظار الإعلان عن ولادة «حزب المستقبل»، وسنعلن في موازاته «حزب رفيق الحريري»، فنحن المؤسّسون الفعليون للتيّار، وقد أصبحنا الآن جميعنا خارجه».
وعن مصير التيّار ومستقبله في الضنّية في ضوء هذه الانقسامات، أوضح الغول «إنّنا ننتظر ما سيحصل، فإذا تحققت مطالبنا وأعيدت الأمور إلى نصابها، فعندها يمكن أن نعود ونلتقي معهم؛ أمّا إذا لم يحصل ذلك فإنّ تيّاراً آخر سيولد هو «تيّار رفيق الحريري» في الضنّية، وسنعلن ولادته في حينه، من خلال مهرجان سندعو إليه شخصيات من كلّ المناطق».
هذه الحركة الاعتراضية في صفوف المستقبل في الضنّية سبقتها خطوة مماثلة في المنية، عندما تمّت تنحية المنسّق السّابق للتيّار فيها الدكتور علي غزّاوي قبل أكثر من سنة، وإبداله بالمنسّق الحالي الصيدلاني عامر علم الدين، مع تعيين أعضاء جدد في مجلس قيادة التيّار في المنية، استبعدت عنه شخصيات تعدّ مؤسّسة للتيّار في المنطقة، رجّحت بشكل رئيسي كفّته إلى جانب حلفائه في الانتخابات النيابية الأخيرة، واعتبرت واحدة من «قلاعه الحصينة»، حتى وصل الأمر ببعض أنصار التيّار فيها إلى إطلاق اسم الرئيس الحريري على مدينتهم(!)، في خطوة لا سابق لها في المناطق.
إلا أنّ انزعاج غزّاوي من تنحيته، واعتبارها مسيئة له بالطريقة التي تبلّغ بها القرار، جعلاه يفضّل الاعتكاف، إلى جانب كوادر آخرين، أبرزهم رئيس «رابطة مشجعي نادي الأنصار الرياضي في المنية» زكي وهبي، معلنين ولاءهم لنهج الرئيس الشهيد، ولابنه ووارثه سعد، إلا أنّ «الإبل لا تورد بهذه الطريقة»، على حدّ قولهم.
إلى جانب ذلك، لم تسلم عكّار بدورها من تداعيات ما يحصل. فهذه المنطقة التي مثّلت على الدوام خزّاناً رئيسياً للتيّار في كلّ مناسبة، شهدت منذ الانتخابات النيابية تراجعاً للتيّار فيها خدماتياً وسياسياً بعد تعيين حسين المصري منسقاً للتيّار فيها خلفاً للنّائب مصطفى هاشم، بعد القرار الداخلي الذي اتخذ بالفصل بين وظيفة نوّاب التيّار ووزرائه من جهة، ومنسّقيه في المناطق من جهة أخرى، مما جعل فئة فاعلة من كوادر التيّار تفضل الابتعاد عنه، بعدما «لم تجد اعتراضاتهم نفعاً لدى أولياء الأمور في قريطم، ولا مسعاهم لإبعاد الصفقات السياسية والعائلية والشخصيّة عن عمل التيّار في المنطقة»، ففضّلوا التنحّي أو الاستقالة من مناصبهم، على نحو ما فعل عضو مجلس بلدية ببنين، كبرى بلديات عكار، أحمد جوهر، الذي أقدم على ذلك بسبب «الضغوط السّياسية القاهرة، وتدخل تيّار المستقبل في كلّ المجالات، الأمر الذي أعاق العمل داخل البلدية».



خزان متحرك

لطالما فاخر الشمال بزيارات النائب سعد الحريري له خلال انتخابات 2005، وأعاد صاحب الزيارة إلى بيروت كزعيم أكبر كتلة نيابية بعدما صوّت له الشمال بقدّه وقديده، هذا الشمال الذي افتقد زيارات الزعيم الشاب في السنوات اللاحقة، وغرق في نسيان شبه كامل، إلا ما أصابه من حرب نهر البارد، ومصائب أخرى متفرقة، وحين زار سعد الحريري الشمال في إطار التحضير لاحتفالات 14 شباط بدا أن أمراً لا يجري على ما يرام، ورغم الزيارة والوعود جاءت مشاركة الشماليين عام 2008 أضعف بكثير من الأعوام السابقة.
الأمر الذي يحفز المعارضة على زيادة الاهتمام في الشمال ويقلق المستقبل على مستقبل غير محسوب.



صراعات

في خطوة تنظيمية هدفت إلى تفعيل عمل تيّار المستقبل في الشّمال، والاستفادة من قدرات كوادره ومناصريه، أُبعد وزراء التيّار ونوابه من مناصب التنسيق في الأقضية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وأوكلت المهام إلى شخصيات من الصفّين الثاني والثالث، كان من نتيجتها انتهاء «الصراع المكتوم» الذي دار بين منسق التيّار السّابق في الشّمال النّائب سمير الجسر، ووزير الشباب والرياضة الحالي أحمد فتفت (منسّق التيّار السّابق في الضنّية)، من أجل تبوّء المركز الأول في الشّمال. إلا أنّ هذه الخطوة قوبلت بردّة فعل عكسية، إذ إنّ بعض المؤسسين الفعليين للتيّار فضّل التنحّي، فيما اختار آخرون مواجهة «الأمر الواقع» من الداخل.