إبراهيم الأمين
على أثر نجاح مجموعات المقاومة الإسلامية في أسر جنديين إسرائيليين يوم 12 تموز 2006، خرج جيش الاحتلال بحملة عسكرية أطلق عليها اسم «الجزاء المناسب» قبل أن يعدل في رأيه ويحوّلها إلى حرب شاملة. ولأن إسرائيل تعرف نوعية الخصم الواقف قبالتها، فمن المنطقي أن ينتظر الإسرائيليون «الجزاء المناسب» المفترض على جريمة قتل القائد العسكري في المقاومة الإسلامية عماد مغنيّة. وسوف يكون عليهم انتظار الرد «من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون» على ما يقول المرجع الأبرز في المقاومة، الذي يحسم بأن الأمر ليس نابعاً من انفعال ولا من عقلية ثأرية، بل هو مرتبط بسياق منطقي لمعركة قرر العدو كسر بعض قواعدها التقليدية.
ومع أن التحقيقات الجارية في دمشق وغيرها لمعرفة تفاصيل عملية الاغتيال، قد وصلت إلى مرحلة تثبت ما هو مقدر، فإن الهدف الأساسي منها ليس تحديد هوية الطرف الذي يقف خلف الجريمة، وهو إسرائيل، بل التثبت من وقائع وتقديرات لأدوار الآخرين من جهات وحكومات يبدو أنها قرّرت التورّط نهائياً في الحملة الأميركية ـــــ الإسرائيلية على تيار المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق. وسوف يكون لهذه النتائج أثرها على مستويات عدة، بينها أن المواجهة التي فتحت تحت عنوان «إزالة إسرائيل» تتطلب عدة مختلفة عن برنامج تحرير أرض محتلة أو صد اجتياح أو هجوم، لتتجاوزه إلى مستوى يتطلب مشاركة واسعة من كل أصحاب المصلحة في هذه العملية الكبيرة، وذلك في إطار توفير القاعدة الراسخة لمشاركة هؤلاء في حرب التحرير الكبرى. وهي حرب تتجاوز الآليات المتعارف عليها حالياً. عدا أنها معركة يستحيل تحديد المشاركين فيها وفق استنسابية مألوفة لدى حكومات وجهات حتى لو كان في مقدمها من يّدعي النطق باسم الشعب الفلسطيني.
غير أن من المفيد التدقيق في بعض النتائج الأولية لجريمة اغتيال الحاج رضوان، ومنها ما قد لا يكون العدو في وارده عندما قرر القيام بعمل من هذا العيار، ولم يكن هدفه يتعدى التخلص من خصم أرهقه أعواماً طويلة، ويخشاه لما هو مقبل من الأيام.
أولاً: لقد أظهرت ردود الفعل في الشارع العربي والإسلامي موجة من التعاطف والتضامن مع المقاومة الإسلامية ومع حزب الله تشبه ما حصل خلال حرب تموز. ودون مبالغة يجدر التوقف عند الملاحظة الآتية: على أثر أحداث عديدة ــــ بينها إعدام صدام حسين في العراق وانشغال حزب الله بمواجهة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في لبنان ــــ برز نوع من الخلل الذي لم يُعرف سابقاً إزاء مواقف شعبية دُفِعَتْ بأشكال مختلفة نحو التعامل مع حزب الله على أساس أنه حركة شيعية لا حركة مقاومة ضد الاحتلال. وفي متابعة لما يجري من مراسم عزاء في أكثر من مكان، وحتى نوع المشاركة الشعبية في مؤاساة حزب الله في لبنان، يتضح للمراقب أن دم مغنية ربما أسهم بإزالة الكثير من التشويش حصل أخيراً، وربما هذا ما يفسر استعجال الدوائر الأميركية والمخابرات السعودية والأردنية وبعض الجهات اللبنانية في توتير الأوضاع الداخلية وتوجيه مجموعات من زعران الأزقة نحو استفزاز متواصل لجمهور حزب الله في محاولة لجرّه سريعاً إلى مواجهة تبدأ «محلّية» محصورة ثم تأخذه مباشرة إلى موقع المواجهة ذات البعد المذهبي.
ثانياً: كشف العدو بجريمته هذه اللثام عن الوجه الفلسطيني والعربي والإسلامي للشهيد مغنية، وهو الذي كان حصة فلسطين الكبرى داخل تيار المقاومة في لبنان، وله دور كبير سوف يأتي يوم ويُكشف عنه في توفير كل عناصر الدعم المعنوي والمادي والخطط لقوى المقاومة الفلسطينية دون استثناء، بما في ذلك مجموعات المقاومة في حركة فتح إلى جانب القوى الأخرى، وكانت له على الدوام الصلات الحيّة والمستمرة مع قادة من فصائل مختلفة، حتى أعاد استشهاده صورة حزب الله بوصفه داعماً لكل اتجاهات المقاومة وأنه لا يقف في صف دون آخر، علماً بأن المراجع الفلسطينية على اختلافها تعرف موقف الحزب مما يجري حالياً في فلسطين. وربما كان في احتفال غزة المشترك بين كل القوى وما برز من ردود فعل بين فلسطينيي الداخل والشتات ما يشير إلى هذه الصورة.
ثالثاً: أعاد استشهاد مغنية الاعتبار إلى صورة المقاومة في الدول العربية التي تعيش تحت وطأة التوترات السياسية والمذهبية في العراق، والتي أريد لها أن تعمم على بقية الدول العربية، ودلّ الاستشهاد مرة أخرى على أن تيار المقاومة حاضر بقوة داخل في أوساط قوى كثيرة سواء كانت تعرف مغنية أو لا تعرفه، ولكنها كانت تدرك أهمية موقعه. وهو أمر ربما اهتم له الأميركيون أكثر من غيرهم، لا لوجود حساب سابق بينهم وبين مغنية كما يدّعون، بل لما يقدرونه ويجمعون لأجله معلومات عن دور مغنية في دعم مجموعات المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي في العراق.
رابعاً: فتح اغتيال القائد العسكري في المقاومة الإسلامية الباب واسعاً أمام ورشة داخل قيادة حزب الله وداخل قيادة المقاومة من النوع الذي يعكس، عادة، الرغبة الكبيرة في تحمّل المسؤولية بعد فقدان شخص بهذا الحجم، ويعنى أيضاً بتوظيف حالة التعبئة العاطفية التي قامت بفعل الاغتيال في إطار المشروع الذي كان مغنية يعمل عليه. وهو الأمر الذي ستكون له نتائجه على التدابير التي يفكر الحزب في اللجوء إليها لتعزيز صفوفه وتمتين تماسكها من جهة، ولوضع برامج عمل تأخذ بالاعتبار أن العدو قرر المبادرة والعمل في المكان الصعب، مع ما يستلزم ذلك من إجراءات وقائية وهجومية على حد سواء.
وبناءً على ما تقدم، فإن النتائج الفعلية لاستشهاد مغنية سوف تظهر أكثر على صعيد جدول أعمال المقاومة ضد الإسرائيليين، وتفرض منطقاً جديداً من التعامل مع كل المتورّطين في لعبة الموت مع المقاومة ومن أي جهة أتوا، وهذا في ذاته يكسر القواعد التي قامت بعد توقف حرب تموز 2006، وسوف تظهر المقاومة لإسرائيل أن هذا التطور ليس في مصلحتها... إنها مجرد مسألة وقت فقط.