طارق ترشيشي
بمجرد أن تنفّذ إسرائيل عملية أمنية دقيقة في عمق دمشق وتغتال كبير قياديي المقاومة الشهيد عماد مغنية، فذلك يعني أنها باتت جاهزة لشن حرب جديدة، أو «الحرب التي ستكون» التي تحدث عنها تقرير فينوغراد الذي أقرّ بهزيمتها في عدوان تموز 2006 على لبنان.
ذلك أن إسرائيل حتى تقدم على تحقيق هذا الاختراق للأمن السوري، وعلى اغتيال مغنية الذي عجزت أجهزة استخبارات أكثر من 40 دولة عن النيل منه على مدى عشرات السنين، لا بد أنها استعدّت لما يمكن أن تلقاه هذه العملية الأمنية من رد سواء من حزب الله أو من سوريا التي أعطتها هذه العملية مزيداً من المبررات لاستعجال الرد على خروق سابقة واعتداءات إسرائيلية عليها، بدءاً بالغارة الجوية على معسكر عين الصاحب، مروراً بالتحليق فوق قصر الرئاسة السورية في اللاذقية، وصولاً إلى القصف الجوي لما سمّته إسرائيل «منشأة نووية» في دير الزور.
وأبرز التفسيرات لجريمة اغتيال مغنية والأهداف الكامنة وراءها تشي في أنها تنطوي على هدفين خططت إسرائيل للوصول إليهما:
ــ الأول: استدراج حزب الله وسوريا إلى حرب جديدة حددتها هي في الزمان وفي المكان، تتخذ من رد أي منهما على اغتيال مغنية ذريعة لشن هذه الحرب، علّها تعوّض بها الهزيمة التي مُنيت بها في عدوان تموز 2006.
ــ الثاني: البدء بتنفيذ جملة عمليات أمنية تطاول قيادات كبيرة في المقاومة، بما يؤدي إلى شل فعالية المقاومة توطئة لعدوان جديد على لبنان يتخلله اجتياح بري للجنوب من أجل القضاء على المقاومة.
لكن تصرف دمشق المنشغلة في هذه الأيام بالتحقيق لكشف ملابسات جريمة اغتيال مغنية قريباً، يشير إلى أن القيادة السورية ذاهبة إلى ردّ على كل الاعتداءات الإسرائيلية عليها في توقيت ستحدده هي، حتى إذا أدّى هذا الرد إلى نشوب حرب سورية ـــ إسرائيلية.
كذلك، فإن تصرف قيادة حزب الله إزاء اغتيال مغنية، يؤكد أنه ليس هناك تسرع في الرد على هذه الجريمة، وإنما سيكون رداً موجعاً لإسرائيل.
وفي ضوء هذه المعطيات، فإن الأزمة الداخلية دخلت في حال المراوحة لأن الوضع الإقليمي عاد بعد جريمة اغتيال كبير قياديي المقاومة ليتصدّر واجهة الاهتمامات، ويُستدلّ على ذلك من المواقف التي أعلنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في يوم تشييع الشهيد مغنية، حيث توعّد إسرائيل بحرب مفتوحة إذا كانت تريد هذه الحرب، معلناً أن هذه الجريمة تؤرّخ لبدء سقوط الدولة الإسرائيلية. وفي المقابل، كرر ثابتة عدم الدخول في حروب أهلية عندما أكد بقاء لبنان دولة الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والعيش المشترك.
ومن المتوقع أن تكون لجريمة اغتيال مغنية انعكاسات على الوضع الداخلي، تتمثّل بمزيد من السخونة السياسية المصحوبة بتشنجات وتوترات في الشارع من مثل ما يحصل في بعض أحياء بيروت، في الوقت الذي أدّت فيه هذه الجريمة إلى إعادة طرح الأمور من جذورها، ما يجعل ما يدور من أحاديث عن محاولات ومساعٍ لإنهاء الأزمة اللبنانية قبل القمة العربية العادية المقررة أواخر الشهر المقبل في دمشق بمثابة أحلام قد لا تتحقق لأنه ليس في الأفق ما يشير إلى أن القيادة السورية في وارد التراجع عن ثوابتها.
على أن المواقف السلبية التي أعلنها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد من باريس، ويؤكد فيها علناً وللمرة الأولى المعارضة أو الرفض الأميركي للمبادرة العربية، جعلت من مهمة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الآتي إلى بيروت أواخر الأسبوع الجاري «لزوم ما لا يلزم» على حد قول بعض الأوساط المعنية بهذه المبادرة، وخصوصاً أن هذه المواقف الأميركية تزامنت مع تلويح قوى 14 آذار بالذهاب إلى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بنصاب النصف زائداً واحداً، فيما تتمسك المعارضة بسلّة الحلول المتكاملة.
وتقول أوساط معنية إن ما أعلنه ساترفيلد يقتل كل المبادرات، وفي مقدمها المبادرة العربية، ولذا ينبغي التركيز على المبادرة التي تجري «حياكتها» بعيداً عن الأضواء، وقد سافر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى أوروبا من أجلها، لأنه ثبت من خلال التجربة أن المبادرة التي طرحت وفي مقدمها المبادرة العربية لا يمكن التعامل معها نصفياً بحيث يُقبل منها شيء ويُرفض شيء آخر.
وتعتقد هذه الأوساط أن المطلوب هو مبادرة متكاملة بعدما فشلت المبادرات «النصفية» وتلك التي تم قبول الأطراف بنصفها ورفض نصفها الآخر، وترجح احتمال طرح مبادرة متكاملة عربية ـــــ أوروبية مشتركة تقترح حلولاً للأزمة من ألفها إلى يائها، لكنها في المقابل تعتقد بأن الوضع اللبناني وفي ضوء التطورات الجارية مرشح للدخول في مرحلة من الجمود، تنبّأ بها ساترفيلد على رغم التذكير بأن موقف الإدارة الأميركية هو إجراء انتخاب فوري لرئيس الجمهورية.