strong>نظّم القاضي سعيد ميرزا مطالعة في قضية جريمة عين علق، في خطوة سابقة لقرار اتهامي يصدر عن المحقق العدلي القاضي رشيد مزهر. وطلب ميرزا اتهام المشتبه فيهم، وعلى رأسهم شاكر العبسي والموقوفون مصطفى س. وكمال ن. وياسر ش. بمواد تصل عقوبتها إلى الإعدام. وقد نسب ميرزا إلى فتح الإسلام تخطيطها لأعمال تستهدف سفارات أجنبية وحزب الله
نظّم النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا، أمس، مطالعة في قضية عين علق، طالباً اتهام عناصر «فتح الإسلام» ومن بينهم شاكر العبسي، بجرائم تصل عقوبتها إلى الإعدام. ولفت في مطالعة القاضي ميرزا تضمينها تفاصيل عن تكوين تنظيم فتح الإسلام، واعتباره أن اغتيال النقيب وسام عيد قد يكون «رداً على ما أنجزه في هذه القضية أو في غيرها».

التوقيف بعد رصد الاتصالات

فقد ذكر ميرزا في مطالعته أن «المكتب الفني في شعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، برئاسة النقيب الشهيد وسام عيد الذي ــــ ربما كان استشهاده رداً على ما أنجزه في هذه القضية أو في غيرها ــــ تمكن من رصد وتحليل حركة اتصالات هاتفية كثيفة ومشبوهة كانت تجري بين منطقة الانفجارين والدورة والأشرفية والشمال، وخاصة ثلاثة أرقام». وتبيّن أن هذه الأرقام وضعت في التداول في مخيم نهر البارد، وأن اثنين منها كانا يستعملان بكثافة صباح يوم التفجير في منطقة المتن، وأن مستخدمي الرقمين غادرا المنطقة بعد الانفجارين، كلٌ من طريق، متجهين نحو الشمال. أما مستخدم الرقم الثالث، فكان موجوداً صباح يوم الجريمة في نهر البارد، وكان على تواصل مع الرقمين الآخرين.
وذكر ميرزا أن فرع المعلومات كان يرصد حركة دخول أشخاص من جنسيات مختلفة إلى مخيم نهر البارد للالتحاق بـ«فتح الإسلام»، إضافة إلى رصد عدة أرقام لهواتف خلوية كانت تستخدم داخل المخيم، ومن بينها الأرقام الثلاثة. كما تبيّن وجود علاقة وتواصل بين مستخدمي هذه الأرقام وكمال ن. الذي يعمل ويقيم في قرية عين عار في المتن، حيث دهمت شقته يوم 26/2/2007، وأوقف.
وفي التحقيق مع كمال أدلى بأنّ صديقه عمر الحجي، (وهو من عناصر «فتح الإسلام») زاره أكثر من مرة في أواخر عام 2006، وأنه كان أحياناً بصحبة مجد الدين عبود (أبو يزن). وأضاف أنه في أوائل عام 2007، وبناءً على طلبهما، استأجر لهما شقة في بلدة عين عار، حيث أقاما فيها مع عدد من أفراد «فتح الإسلام» بينهم مصطفى س. (أبو إبراهيم)، وأنه شاهد مع الأخير قبل نحو 10 أيام من انفجارَي عين علق كيساً يحوي شرائح متفجرات وكرات معدنية. وأوضح أنه في اليوم التالي لانفجار عين علق، اصطحبه عمر وأبو يزن إلى شقتهما، وأخذا أغراضهما الخاصة، وطلبا منه أن ينتقل ليقيم فيها خشية ملاحظة صاحب الملك أو الجيران بأنهما أخليا الشقة بعد الانفجارين، فنفّذ كمال ما طُلِب منه.
وبمتابعة الاتصالات الخلوية، رُصِد تواصل الرقم الثالث، من داخل مخيم نهر البارد، مع أحد الأرقام، أفضى تحليل اتصالاته إلى تحديد تواصل منه مع رقم مسجّل باسم صاحب مكتب لتخليص معاملات وتسجيل السيارات في منطقة الحمرا ببيروت. وباستجواب الأخير، صرّح بأن الرقم الذي يتواصل معه عائد لمصطفى س. الذي كلّفه إنجاز معاملة تسجيل دراجة نارية.
وبمراقبة حركة اتصالات مصطفى المذكور، تبين أنه أجرى اتصالاً بشخص في مدينة طرابلس يوم 23/2/2007، فأوقف هذا الشخص بعدما تطابق الشبه بينه وبين رسم تشبيهي لأحد الداخلين إلى نهر البارد، ليتبيّن أنه ياسر ش. وباستجوابه صرّح بأنه يقيم في الأشرفية مع مصطفى س، فدّهمت الشقة، حيث عثر على كمية من مادة تي.أن. تي، مع عدد من الكرات المعدنية، معترفاً بأن هذه المتفجرات نقلت من شقة عين عار إلى شقة الأشرفية داخل جهاز تلفزيون. وبنتيجة تعقب حركة انتقال أحد الأرقام الهاتفية، أمكن توقيف مصطفى س. في الحمرا ببيروت.

التجنيد والتحضير

وتبين لاحقاً أن أبو يزن كان قد عرض على مصطفى س. العمل لتنفيذ تفجير عين علق. وقبل أسبوع من الجريمة، استدعاه عمر الحجي لمقابلة شاكر العبسي في مخيم نهر البارد. ولما قابله، طلب منه العبسي أن يكون مستعداً لأنه سيكلّفه بعمل يحدده له لاحقاً عمر، مقابل 500$، فوافق على التكليف.
وتبيّن باعترافات مصطفى س. أنه على معرفة بـ«أبو يزن» منذ عام 1999، وتوطدت علاقته به بعد خروج الأخير من السجن في سوريا، وأن «أبو يزن» أقنعه بالانضمام إلى «فتح الإسلام». أما عمر الحجي فقد تعرف عليه في الروشة ببيروت، وأقنعه الحجي لاحقاً بالانضمام إلى «فتح الإسلام» لأن أهداف هذا التنظيم هي زعزعة النظام في سوريا، فقبل. لكنه اكتشف بعد مدة، وفقاً لأقواله، أن الهدف الحركة هو زعزعة الأمن في لبنان. وبعدما توطدت العلاقة بينه وبين عمر الحجي طلب منه الأخير بعض الأعمال ذات الطابع الأمني، مثل تكليفه، بناءً على تكليف أبو يزن وأبو مدين، بتصوير مقار سفارات بعض الدول مثل روسيا وبريطانيا والأردن من أجل ارتكاب أعمال إرهابية ضدها. كما طلب منه مراقبة محطة للوقود في انطلياس وصراف في الحمرا.
من جهة أخرى، فاتحه عمر الحجي بأمر زرع متفجرات في محلة رياض الصلح ببيروت، واصطحبه الى تلك المنطقة حيث جالا فيها، لكنه رفض الفكرة التي عاد عمر الحجي وعرضها على كمال ن. الذي وافق على تنفيذها من حيث المبدأ بهدف زعزعة الوضع الأمني وخلق فتنة مذهبية، لكن شدة المراقبة في المكان حالت دون تحقيق هدفهم.
ويوم 12/2/2007، التقى مصطفى س. وعمر الحجي وياسر ش. في الدورة، بالمنزل الذي كان قد استأجره الأول، تمهيداً للانتقال إليه بعد تنفيذ عملية التفجير. وهناك، يقول مصطفى إن عمر الحجي أطلعه على عملية التفجير التي سبق لشاكر العبسي أن حدّثه عنها، وأن هذه العملية ستكون كناية عن زرع عبوتين ناسفتين في حافلتي ركاب تعملان على خط بتغرين ـــــ الدورة وأن هذه العملية يجب أن تنفّذ قبل 14/2/2007 لتكون رسالة سياسية الى فريق 14 آذار. كما طلب عمر الحجي من ياسر ش. التوجه إلى نهر البارد، والبقاء فيه وربط خطه الخلوي على خطيهما. ومساء يوم 12/2/2007 وصل عمر الحجي الى منزل قرنة شهوان حيث كان مصطفى بانتظاره، حيث أعدّا المتفجرتين.

تنفيذ الجريمة

عند السابعة والنصف من صباح يوم 13/2/2007 ووفقاً للخطة التي رسمها عمر، انطلق الاثنان في سيارة هوندا باتجاه بكفيا. وكان مع كل منهما عبوة موضوعة في كيس مع بعض الخضروات والألبسة للتمويه وكان عمر يضع حزاماً ناسفاً على وسطه. ثم انطلقا بالسيارة صعوداً وتجاوزا ساحة بلدة بكفيا، وركنا السيارة في طريق فرعية، ثم توجها إلى الطريق العام. بعدها، استقلا باصاً يتجه صعوداً، وشغّل عمر المتفجرة التي يحملها مصطفى بعد توقيتها على الساعة 8:45. وترجلا بعد ذلك من الحافلة، وانتظرا مرور الباصات المتجهة نزولاً. فلما مر أول باص استقله عمر ولكنه اتصل هاتفياً بعدما سار الباص حوالى 200 متر وأخبره أن «الحال لم يمش»، بسبب ازدحام الباص. وفي هذه اللحظة، استقل مصطفى باصاً متجهاً نزولاً، وشاهد منه عمر في باص متجه صعوداًً. وداخل الباص، اختار مصطفى لنفسه المقعد ما قبل الأخير، حيث وضع العبوة. لكن عمر الذي كان على اتصال دائم به بواسطة الهاتف اعترض على اختيار هذه الحافلة لأن عدد ركابها لم يتجاوز العشرة وكانوا يجلسون في المقاعد الأمامية، إلاّ أن مصطفى كان قد وضع العبوة ولم يعد أمامه إلا مغادرة الحافلة.
كانت الحافلة التي استقلها مصطفى تسير مسرعة فتجاوزت المفرق الذي ركنت فيه سيارة الهوندا. ولما وصلت الى مكان قبل ساحة بكفيا ترجّل مصطفى منها. وبدلاً من أن يتوجه وفقاً للاتفاق إلى مكان سيارة الهوندا، استقل سيارة أجرة إلى برمانا، ومنها استقل حافلة إلى الدورة لينتقل الى نهر البارد.
وفي أحد الاتصالات الهاتفية التي جرت بينه وبين عمر أخبره عمر أنه تمكن هو الآخر من زرع العبوة الأخرى في أحد الباصات. وفي اتصال آخر أبلغه عمر أنه أخذ سيارة الهوندا وتوجه بها الى الشمال.
وبوصوله إلى نهر البارد، التقى مصطفى بشاكر العبسي و«أبو مدين» و«أبو سلمى» الذين سألوه عن تفاصيل العملية فأطلعهم عليها. فهنأه شاكر ثم طلب منه التكتم على الأمر وأعطاه 400 دولار مكافأة.
بعد تفجيري عين علق أدلى مصطفى س. بأن العبسي فكر بوضع عبوة داخل حسينية يرتادها عناصر حزب الله لخلق فتنة أو وضع متفجرة قرب مركز الكتائب في بكفيا. واستقر الرأي على استهداف الكتائب بناءً على توصية «أبو مدين» بحجة متابعة النهج ذاته، أي استهداف طائفة معينة ممثلة بالكتائب اللبنانية.
(الأخبار)