strong>ثائر غندور
قد يكون أصعب سؤال يوجّه إلى سياسي لبناني حالياً هو: «كيف نحمي السلم الأهلي؟». يجدر بالسياسي أن يلجأ إلى الجمهور، وفي هذه الحالة، لن يكون هناك حاجة للإجابة. الجمهور منقسم إلى قسمين: واحد يريد حرباً أهليّة لأنّه يظنّ أنها تحسم باتجاه «خياره» السياسي، وعلى هذا القسم العودة إلى أرشيف تصريحات سياسيي 1975، وإلى ما دار في بال مقاتلي تلك الفترة. أمّا القسم الثاني، فإنّه يرفض الحرب لأنه يعرف ما تعني، لكنّه لا يستطيع أن يعبّر عن رأيه في وسائل الإعلام، التي انساق معظمها إلى عمليّة التجييش، مما دفع أحد السياسيين إلى القول: «يا ريتني رئيس المجلس الوطني للإعلام حتى أُقفل جميع هذه الوسائل».
بالعودة إلى سؤال حماية السلم الأهلي، يهرب السياسيون من الجواب، ويعودون إلى حديثهم الدائم في تحميل الطرف الآخر مسؤولية ما وصلنا إليه. يبتسم أحد سياسيي المعارضة عند سماعه عبارة «اجتماع تنسيقي بين المعارضة والموالاة». يرى أن هذه اللجنة تغطية لاسم آخر هو «لجنة أمنيّة»، ما يعني أن الوضع الأمني أصبح سيّئاً، والجيش والقوى الأمنية لم يعودا قادرين على حماية المواطن. ويرى المعارض أن التوافق السياسي هو المظلّة التي تحمي السلم الأهلي والمجتمع المدني والاقتصاد. لكنّه يضيف أن المعارضة «لا يُمكن أن تترك البلد للأميركيين». ويرى أن المشاركة هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى هذا التوافق السياسي.
في المقابل، يقول سياسي موالٍ يحاول التميّز، إن هناك ثلاثة تدابير لحماية السلم الأهلي. الأول دستوري عبر انتخاب رئيس للجمهوريّة ينزع الصاعق المذهبي السنّي ــــ الشيعي. الثاني سياسي من خلال وقفة مسؤولة لمختلف الأطراف عبر فصل الخلاف السياسي عن المواجهات العسكريّة وعدم استخدام السلاح. أمّا الثالث فهو عسكري، ويقول بتحييد لبنان عن الصراعات الإقليميّة. ويرى أنه من دون هذه التدابير الثلاثة، فإن البلد ينزلق إلى الانفجار، حتى لو كان الأطراف الأساسيون لا يريدون هذا. وهو الأمر الذي يتفق عليه المعارض والموالي، لكنّهما يريان أن غياب رغبة الحرب ليس كافياً وحده لضبط الشارع.

الوضع الأمني والمجهول
ومن ناحيتها، ترى المعارضة أن السلطة تعيش «حالة فصام»، إذ تصدر عن قادتها خطابات نارية حيناً، أو يقومون بمساع ويرفعون شعارات تشدّد على ضرورة وأد الفتنة حيناً آخر. ويشير إلى ضرورة قراءة رسائل الأكثرية جدّياً في أنها «لن تتأخر في خوض معارك الشوارع إذا اشتدّ الخناق عليها واستمرّت في تكبّد الخسائر السياسية».
وقال المسؤول إنّ تخصيص الشارعين السنيّ والشيعي بالحوادث المتنقلة في بيروت، يترجم ما حذّرت منه قوى المعارضة تكراراً «من المشروع الأميركي في وضع الطائفة الشيعية، وعلى رأسها حزب الله وسلاح المقاومة، في مأزق داخلي يشغلها عن إسرائيل».
من جهته، رأى عضو كتلة المستقبل النيابية عمار الحوري أنّ الفتنة «في مرحلة يمكن تداركها إذا أحسنّا التعاون»، مؤكداً أن لبنان «يعيش اليوم في دائرة الخطر». ولفت الحوري إلى أنّ الاجتماع الأمني الذي عقد مساء أول من أمس، ساعد في تخفيف الاحتقان، مشيراً إلى أنه كان للخطابات السياسية مفعول تراكمي عند المواطنين، مستشهداً بقول السيّد المسيح «من ضربك على خدّك الأيمن أدر له الأيسر»، ليعود ويسأل: «ماذا تفعل إذا أعاد صفعك على الأيسر؟».
وحمّل عضو كتلة القوات اللبنانية النيابية، أنطوان زهرا، المعارضة مسؤولية الحوادث المتنقّلة في الشوارع، «نظراً للتحذيرات والتهديدات التي صدرت عنها أكثر من مرّة بإمكان اجتياحها شوارع العاصمة في ساعات».
ووضع زهرا الحوادث الأخيرة في إطار «تطويع بيروت» لا الوصول إلى الفتنة، وأكد أنه «ليس من مبرّر لحصول حوادث في الشرقية، فالخلاف محض سياسي ولا ترجمة له إلا بالسياسة».
أما المسؤول في التيار الوطني الحرّ بيار رفّول، فرأى أن التحرّشات الحاصلة غير جديدة، وأكد مسؤولية الخطابات النارية خلال الأسبوع الماضي، وأنّ التجارب السابقة منذ 1975علّمت معظم القوى السياسية الدروس، «لكن للأسف، ثمة من لم يتعلّم بعد».
واستبعد رفّول أن تنجح اللجان الأمنية التي أُلّفت في ضبط الشارع، إلا إذا توافر قرار سياسي يحصر الأزمة بالتنافس السلمي وينأى بها عن الشارع».