الدوحة ـ فاتن الحاج
افتتحت أمس مؤسسة قطر ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) المؤتمر الإقليمي لتقويم منتصف العقد للتعليم للجميع في المنطقة العربية. ويشارك في المؤتمر وزراء التربية في البحرين وعُمَان وفلسطين والأردن وسوريا وموريتانيا والسودان واليمن وقطر. وقد رأس وفد لبنان وزير التربية والتعليم العالي الدكتور خالد قباني

تشد وزارة التربية في العراق أحزمة «الجهاد» لمواجهة الظروف التعليمية التي أنتجها حصار النظام السابق والاحتلال الأميركي الذي أتى على ما بقي من تبعات سياسة هذا النظام. هذا ما أعلنه وكيل الوزارة عدنان إبراهيم حسن الذي تحدث عن التحديات التي تواجه العراقيين بعد السياسات التي عرّضت البلاد للتفكك والفتنة على أيادٍ متعددة. «لكننا في الوزارة ندرك مسؤوليتنا تجاه التربية والتعليم»، يقول حسن، «وخصوصاً بعدما انخفض عدد المدارس، وبتنا نحتاج إلى وضع الخطط لمعالجة الصفوف المكتظة، بحيث أصبح الصف الواحد يضم نحو 70 تلميذاً»، ويشير إلى «أهمية تطوير المناهج التي تُركت من دون تغيير وخربت بسبب تسييسها وعسكرتها».
ولفت حسن إلى أنّ المعلمين هجروا مدارسهم بسبب الرواتب المتدنية التي وصلت إلى 5 أو 10 دولارات، ما أدى إلى ارتفاع عدد أفراد الهيئة التعليمية لمصلحة المعلمات الذي بلغ 63%. يذكر أنّ نسبة الالتحاق بالتعليم تدنت منذ بدء الحرب الأولى عام 1991.
ولم تسلم وزارة التربية، بحسب حسن، من المشكلات، فتعرّض مقرها للهجوم ما جعل المديريات التابعة لها تتشتت في أماكن متباعدة.
أما اليوم فينتظر العراق دعم المنظمات الدولية لتعزيز البنى التربوية التحتية واستكمال الأبنية وإعادة تدريب المعلم الذي ترك بسبب سوء الأحوال المعيشية.
ينسحب الواقع العراقي على عدد من الدول العربية التي عاشت وتعيش حالات نزاع، ومنها السودان والصومال وغيرهما، والتي تحتل حيزاً من اهتمامات منظمة اليونسكو ومؤسسة قطر. وتخصص المنظمة والمؤسسة اليوم جلسة عامة تتناول تحقيق أهداف مبادرة التعليم للجميع في حالات الأزمات وما بعد النزاعات والطوارئ في «المؤتمر الإقليمي لتقويم منتصف العقد للتعليم للجميع في المنطقة العربية» الذي افتتحته أمس في العاصمة القطرية الدوحة.
وبرزت في اليوم الأول للمؤتمر الرؤية العالمية لتقرير رصد التعليم للجميع التي قدّمها مدير مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت الدكتور عبد المنعم عثمان وتناول فيها أهم التطورات التي طرأت منذ منتدى دكار للتعليم للجميع في عام 2000 في العالم والدول العربية. وطرح عثمان أربعة أسئلة: «هل أوفت الحكومات الوطنية بتعهدها المتعلق بالتعليم للجميع؟ أين تكمن أكبر التحديات؟ ما هي أهم الأولويات على صعيد السياسة العامة؟ هل توفر الجهات المانحة الدعم الكافي؟».
وفي الأرقام، ازدادت نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي في الدول العربية بنسبة 11%، إلّا أنّ التقدم حصل بحسب عثمان بوتيرة أبطأ بالمقارنة مع عقد التسعينيات. كما بلغت نسبة التكافؤ بين الجنسين في التعليم الابتدائي في الدول العربية 50% وفي التعليم الثانوي 35%. وعلى الرغم من الانخفاض في عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، فلا يزال هناك 6 ملايين طفل في الدول العربية خارج المدرسة (60% منهم فتيات). من جهة ثانية، أجرت عشرة بلدان من بين عشرين دولة عربية تقويماً وطنياً واحداً على الأقل للتحصيل الدراسي بين 2000 و2006. ومن أصل 51 بلداً حققت التعليم للجميع أو على وشك تحقيقه، هناك 10 بلدان في الدول العربية. وقد خصصت غالبية الدول العربية التي توافرت بيانات بشأنها خمس إجمالي انفاقها الحكومي على الأقل للتعليم في عام 2005. وتزايدت المعونة الخارجية لمصلحة الدول العربية بنسبة 54% للتعليم الأساسي منذ 1999 ـــــ 2000، والعراق واليمن هما المستفيدان الرئيسان. على صعيد آخر، شهدت الأعوام الأخيرة اهتماماً قليلاً بمحو أمية الكبار، وقد ناهز عدد الكبار الأميين في العالم العربي 57 مليوناً. وتحتاج الدول العربية إلى 1,8 مليون معلم إضافي في التعليم الابتدائي بحلول عام 2015.
وقد شارك عثمان في مؤتمر صحافي مشترك مع نائب رئيس مؤسسة قطر للتعليم الدكتور عبد الله بن علي آل ثاني الذي أكّد، رداً على سؤال عما إذا كانت قطر قادرة على تأمين التعليم للجميع، «أنّ أي شخص يستطيع أن يتعلم، لكوننا نسعى إلى توفير الدعم المالي للجميع». ورأى أنّ وضع المعايير الدولية للتعليم لا يؤثر على الثقافة المحلية والقيم التربوية والأخلاقية العربية، معلناً عدم قلقه على الطلاب الذين يسعون إلى تعليم يملك النوعية ذاتها في البلدان العربية.
من جهته، شدد عثمان على ضرورة أن يتحول الالتزام السياسي المعلن عنه في تصريحات رؤساء الدول إلى التزام تشريعي ومالي، عبر زيادة الإنفاق الحكومي، باعتبار أنّ نصيب التعليم من الميزانية العامة لا يزال ضعيفاً، وإن برزت في الآونة الأخيرة بعض الالتزامات في المملكة العربية السعودية التي خصصت 9 مليارات ريال سعودي، فيما فرزت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم 10 مليارات دولار لدعم التعليم. وفيما أكد عثمان أنّ هناك تفاوتاً في الإنفاق، تحدث من جهة ثانية، عن استراتيجية للتعليم في مناطق النزاعات ستعرض على مؤتمر القمة العربية في دمشق في آذار المقبل.
وتحدث في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر المدير العام المساعد للتعليم في اليونسكو نيكولا بورنيت، فدعا إلى القيام بنقاش صريح في المسائل التي تهمنا في المرحلة المقبلة. من جهته، رأى نائب رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الطاقة والصناعة عبد الله بن حمد العطية أنّه على الرغم من الجهود المبذولة هنا وهناك، ما زلنا بعيدين عن تحقيق فعلي لأهداف التعليم للجميع، وخصوصاً أن التعليم الأولي الذي لا تخفى أهميته يُعَدُّ في نظر الكثير من النظم عنصراً كمالياً، بل إضافياً. واستناداً إلى تقارير التنمية البشرية التي تصدرها المؤسسات الدولية، قال: «هناك شك في أن نتمكّن من تحقيق القرائية في أفق 2015 كما هو مأمول لنصف الفئات المستهدفة». ودعا إلى التركيز على تطوير قدرات طلابنا في المستويات والمراحل التعليمية كلها على التفكير النقدي والتحليلي في صلة وثيقة بمؤشرات التنمية».
أما المدير العام لمنظمة اليونسكو كوشيرو ماتسورا، فطالب بتحويل أسس التعليم للجميع إلى استراتيجيات قابلة للتنفيذ، إذ إن التقارير تبيّن تقدماً أُحرِز وإن الدول العربية كثفت جهودها الاستراتيجية وازداد الإنفاق الحكومي على التعليم إلى أكثر من 20 في المئة، وهذا ما يتماشى مع أهداف داكار.
وركز ماتسورا على 3 مسائل للمستقبل، أُولاها كيفية الوصول إلى من يصعب الوصول إليهم لإدخالهم في التعليم وتحقيق نوعية التعليم لجعله ملبياً للحاجات التنافسية لمجتمع المعرفة، مشيراً إلى أن أنظمة التعليم لا تتكيف في شكل كافٍ مع المتطلبات، وأعطى الأولوية لإصلاح المناهج وتدريب المتعلمين في صورة أفضل.
كما رأى أن أي دولة ملتزمة بأهداف مؤتمر داكار للتعليم للجميع لن تواجه أي عائق تمويلي، وأن ثلث المساعدات المخصصة للتعليم تذهب إلى دعم مستوى التعليم الأساسي ورفعه.
ويختتم المؤتمر أعماله غداً الخميس، حيث يعرض إعلان الدوحة لمناقشته واعتماده.