أنطوان سعد
أعربت مصادر أمنية مطلعة عن ارتياحها للجدية اللافتة التي أبداها الأفرقاء المشاركون في اجتماع وزارة الدفاع مساء الأحد الماضي، وللتهدئة التي انعكست ميدانياً في اليومين التاليين. ولفتت في شكل خاص إلى تجاوب الأفرقاء مع مبادرة الجيش اللبناني من خلال إصدار بيانات تدعو إلى التزام الهدوء وعدم الانجرار إلى المواجهات في الشارع والامتناع عن استهداف المقارّ.
في أية حال عاشت بعض الأحياء في بيروت في الليالي الثلاث الماضية نوعاً من حال الطوارئ غير المعلنة نتيجة الانتشار الكثيف لوحدات الجيش اللبناني ودعوة مديرية التوجيه المواطنين إلى «ملازمة منازلهم وأماكن عملهم وعدم المشاركة في التجمعات في أماكن حصول أي إشكال، تجنباً لتعريض أنفسهم للتوقيف تحت طائلة اعتبارهم مشاركين في التحريض والإخلال بالأمن». وفي الواقع، مع ساعات الليل الأولى انحسرت الحركة في الشارع إلى حد أدنى، في ما يشبه الامتناع عن التجوال.
غير أن شخصية سياسية مطلعة مصيبة على وجه الإجمال في توقعاتها، تحذّر اللبنانيين من التفاؤل المفرط أو «النوم على حرير» هذا الاتفاق بين ممثلي حزب الله وتيار المستقبل وحركة أمل. وتشير إلى أنه لن يكون «طويل الأمد، وسيتلاشى في فترة زمنية غير بعيدة بسبب استمرار غياب الوفاق السياسي، وما دام هذا الوفاق غائباً، فلا يمكن توقع استتباب الأمن والاستقرار».
وترى هذه الأوساط أن خير دليل على ما تقوله تحذير المملكة العربية السعودية لرعاياها المقيمين في لبنان أو الراغبين في التوجه إليه، وقرار السفارة الفرنسية إقفال مركزين ثقافيين تابعين لها في صيدا وطرابلس، اللذان صدرا بعد عودة الهدوء إلى المناطق التي شهدت توتراً بين مناصري الموالاة والمعارضة.
وفي اعتبار هذه الشخصية المطلعة أن ما كان ينقص لكي تكتمل تعقيدات الوضع اللبناني هو الأزمة الناشئة عن إعلان إقليم كوسوفو استقلاله واعتراف الولايات المتحدة بهذا الاستقلال الذي أثار استياء روسيا والذي سيجعلها تلقائياً تتبنى الموقف النقيض لواشنطن في لبنان. وإذا كانت سوريا وإيران في الفترة الماضية عاصيتين على الولايات المتحدة وسياستها الشرق أوسطية، فكيف تكون حالهما إن ترسخ تحالفهما مع موسكو الغاضبة من تجاهل رفضها لاستقلال كوسوفو عن صربيا؟
ما يجعل المراقب يخاف من الأسوأ هو أن الطرفين المتنازعين في لبنان يبدوان ماضيين في المواجهة بينهما حتى النهاية، رغم أن خسارة أحدهما المعركة السياسية الدائرة بينهما الآن هي ازدياد مآزق الطرف الآخر، وليست انتصاراً مبيناً. فخسارة تيار المستقبل أو بكلام مباشر أكثر، تعرّض مشروع آل الحريري، رغم كل الانتقادات التي يمكن أن توجه إليه، لانتكاسة جدية يعني بالضرورة إفساح المجال أمام نماذج متطرفة ليس من مصلحة أحد، حزب الله في المقدمة، رؤيتها تؤدي دوراً متنامياً يبدأ في المجتمعات السنية في ضواحي طرابلس وبعض قرى عكار والضنية، ولا أحد يعرف أين يمكن أن ينتهي.
في المقابل، لا مصلحة لأحد، تيار المستقبل في المقدمة، في قطع الطريق على دخول حزب الله إلى المعادلة الوطنية من الباب الشيعي وعملية المشاركة في إدارة الشؤون الوطنية. وكل محاولة لعزل حزب الله أو استفراده أو توجيه ضربة سياسية قاسية له بإمكانها أن تدفعه إلى لعب ورقة تفجير الوضع مع إسرائيل بما يعيد إليه بريقه كاملاً لدى المجتمعات العربية والإسلامية التي لن تكون متساهلة مع حكامها أو مع الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان. ولا تزال تجربة عزل حزب الكتائب واستهدافه والتعرض للمناطق المتعاطفة معه خلال حرب السنتين 1975 و1976 ماثلة أمام الجميع، لكن لا يبدو أن ثمة من يريد أن يعتبر.
على ما يبدو حتى الآن هو أن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى سيأتي وسيذهب من غير أن يتمكن من إيجاد حل وسط يقنع الموالاة والمعارضة بالتوافق وسد أبواب البلاد المشرعة لرياح التشنج الطائفي التي يبدو أن الخلافات بين الدول العظمى ستزيدها حدة. ولا شيء يدل على أن الظروف الدولية والإقليمية المقلقة ستحمل أياً منهما على إعادة النظر في سياسته ومحاولة التوصل إلى حل ينزع فتيل التفجير، بل على عكس ذلك، لا يزال كل من الطرفين يبحث عما يتوافر لديه من أوراق جديدة بإمكانه أن يستعملها في نزاعه المستميت مع خصمه على
السلطة.