تنحسر صباح اليوم العاصفة القطبية التي ضربت لبنان، أول من أمس، بعدما وصلت الثلوج إلى ارتفاع 800 متر وأدت إلى عزل عدد من القرى ليلاً. وقد أدّت الرياح العاتية والأمطار الغزيرة إلى انهيارات عدة وقطع الأسلاك الكهربائية وخطوط الهاتف وسقوط عدد من لافتات الإعلانات الكبيرة على الطرق الرئيسة. كما أدّت الثلوج إلى إعاقة حركة السير على ارتفاع ثمانمئة متر، وإقفال الطرق على ارتفاع ألف متر وما فوق.وتوقعت مصلحة الأرصاد الجوية في إدارة الطيران المدني أن يكون الطقس اليوم غائماً جزئياً إلى غائم، مع خطر تكون الجليد في الداخل وعلى المرتفعات ليلاً وفي ساعات الصباح الأولى، على أن ترتفع درجات الحرارة تدريجاً غداً مع استمرار خطر تكون الجليد.
في جبل لبنان، استمرت القوى الأمنية في اتخاذ تدابير استثنائية منعاً لوقوع حوادث وللحؤول دون محاصرة الثلوج للسيارات والمواطنين، فأبقت على حواجزها في محطة بحمدون وصوفر والمديرج، وسمحت في فترات من النهار للسيارات المجهزة بسلاسل معدنية بسلوك الطريق الدولية في ضهر البيدر، حيث عملت حوالى عشر جرافات تابعة لـ«مركز جارفات الثلوج في المديرج»، التي ظلت تجوب الطريق الدولية من شتورا حتى صوفر، مروراً بالمديرج وضهر البيدر، ما حال دون انقطاع الطريق بشكل كامل، فضلاً عن استخدام النسافات الحديثة لإذابة الثلوج ورميها عن جانبي الطريق.
كما شهد طريق المصنع ــــ مثلث ضهر الأحمر ــــ الحاصباني ــــ الجنوب، حركة ناشطة للقاطرات والشاحنات الكبيرة والبرادات القادمة من الدول العربية عبر نقطة المصنع الحدودية إلى لبنان، نتيجة انقطاع طريق ضهر البيدر.
وساعدت الرياح الشديدة، التي تترافق مع العاصفة الثلجية، في منع تكسر الأشجار وخصوصاً أشجار الصنوبر التي تعدّ مورد رزق لآلاف العائلات. فهذه الرياح تمنع الثلج المتساقط من التراكم على أغصان هذه الأشجار، وبالتالي يمنع تكسرها أو اقتلاعها.
وأدت العاصفة الثلجية إلى تشكل طبقة من الجليد على الطرق العامة في مختلف المناطق اللبنانية المرتفعة، الأمر الذي أعاق حركة السير صباحاً. وأدى إلى إقفال المدارس الرسمية والخاصة والأسواق ومعظم المحال التجارية والمؤسسات. وألحقت العاصفة أضراراً مادية بالمزروعات وأدّت إلى انقطاع التيار الكهربائي خلال الليل، فيما عملت فرق الصيانة التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان على إصلاح الأعطال.
في النبطية، أدى انزلاق سيارة جيب على طريق عام المصيلح إلى إصابة المواطن خليل حريري وخادمته من التابعية السريلانكية، نقلا على أثره إلى «مستشفى النجدة الشعبية» للمعالجة.
وفي مرتفعات العرقوب، عزلت الثلوج مواقع لـ«اليونيفيل» والجيش، في حين وضعت فرق الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني في حال جهوز تام لتلبية الحالات الطارئة.
وفي العبدة، أفاد صيادو الأسماك عن فقدان العديد من شباك الصيد بسبب العاصفة التي هبت على المنطقة، وقد حاول عدد منهم انتشال بعضها من دون جدوى. وقد طالب هؤلاء وزارة الأشغال العامة بالعمل على تنظيف حوض مرفأ الصيد في العبدة من الطمي الذي تراكم فيه بكثافة كبيرة، والذي يؤثر سلباً على حماية مراكبهم وعتادهم.
وفي طرابلس، حوّلت الأمطار الغزيرة، التي هطلت أمس، شوارع المدينة إلى بحيرات وبرك ومستنقعات غرقت فيها السيارات، وخصوصاً على طريق الميناء قرب سكّة القطار القديم وفي محلة باب التبّانة، حيث تعطلت بعض السيّارات وسبّبت زحمة سير خانقة في أوقات ذهاب الموظفين والطلاب إلى أعمالهم ومدارسهم، التي تغيّب عنها طلاب الروضات.
وفي القبّة انهارت صخور على أطراف الطريق التي تربطها بمحلة أبي سمراء، ما أدى إلى زحمة سير خانقة، عملت الفرق الفنّية في بلدية طرابلس لاحقاً على إزالتها.
وفي أبي سمراء، أدّت العاصفة إلى تساقط أحجار مبنى قيد الإنشاء فوق سيّارات متوقفة قربه فأصيبت بأضرار، وتصدّعت بعض جدران روضة أبي سمراء النموذجية الرسمية، وانهار السور الخارجي لها، ما سبّب أذى لحق بأحد «الفانات» المتوقفة في المكان، وأصاب أطفال الروضة بهلع. وفي صيدا أعلن المكتب الإعلامي للبلدية أنه «نتيجة للعاصفة القطبية التي ضربت لبنان، وقبلها الهزة الأرضية وارتداداتها اللاحقة التي أصابت صيدا وغيرها من المناطق اللبنانية، والتي أحدثت تصدعات وتشققات في جبل النفايات في المدينة، فقد انهارت كتلة من الأتربة والنفايات من جبل النفايات، قدرت بنحو 150 طناً، سقطت في الجهة الغربية من جبل النفايات الملامسة للبحر».
أضاف: «على الأثر، أعلنت بلدية صيدا حالة الطوارئ البيئية، واتخذت جميع الإجراءات الضرورية الممكنة للحد من تلوث البحر، وبدأت التحضير لعملية تنظيف واسعة للنفايات عند انتهاء العاصفة وتراجعها».
ولفت مصدر مسؤول في بلدية صيدا إلى أن «مثل هذه الانهيارات هي مهددة بالحدوث دائماً، ما دامت معالجة المكبّ بشكل نهائي وسليم لم تتم»، معلناً أن بلدية صيدا «لا تزال مستمرة بخطتها لإيجاد الحلول النهائية، والبدء بعملية المعالجة، محمّلة المسؤولية لكل من تغاضى عن وجود هذا الجبل لسنوات طويلة، ومن يحاول عرقلة المساعي من أجل معالجته وإزالته».
(شارك في التغطية: عامر ملاعب، خالد الغربي، كارولين صباح، شريف سريوي، فيصل طعمة، عبد الكافي الصمد، نيبال الحايك، رامح حمية، عساف ابو رحال، وعلي يزبك)