149; تنسيق بين برّي وموسى لبلورة اتّفاق لبناني لبناني يشكل نواة لمصالحــة عربيـّة
انعكست برودة الطقس برودة في المواقف وحركة الاتصالات، فيما انشغلت الأوساط السياسية بتفسير دلالات تحذير المملكة العربية السعودية لرعاياها من السفر إلى لبنان والقرار الفرنسي بإغلاق مركزين ثقافيين في صيدا وصور

ساد الجمود الحركة السياسية التي تنتظر الزيارة المرتقبة للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إلى بيروت بعد غد الجمعة لبث الحرارة فيها، وإن استبعدت المعارضة أن تسفر عن نتائج إيجابية بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية رفضها للمبادرة العربية.
وتحضيراً لزيارة موسى، يصل مدير مكتبه السفير هشام يوسف إلى بيروت، اليوم، لوضع برنامج للقاءات التي سيعقدها الأول مع أركان الموالاة والمعارضة والتي سيتوِّجها الأحد باللقاء الرباعي.

هل يقلب اللبنانيّون الآية؟

وقالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن موسى سيتعاون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لبلورة خلاصات كانا قد توصلا إليها في زيارة الأمين العام السابقة، وهي تركّز على الدفع في اتجاه حصول تفاهم لبناني ـــــ لبناني أي بين الموالاة والمعارضة يشكل نواة لمصالحة عربية ـــــ عربية تفضي إلى انعقاد القمة العربية المقررة أواخر شهر آذار المقبل في دمشق، بحيث تنقلب الآية، بمعنى أنه بعد تعذر حصول الاتفاق بين الدول العربية المعنية ولا سيما منها مصر وسوريا والسعودية، على فريقي الموالاة والمعارضة المتمحورين في خلافاتهما حول هذه الدول الثلاث أن يتوصلا إلى اتفاق يفرض على هذه الدول أن تتفق في ما بينها، ما يؤدي إلى نجاح القمة العربية.
وفي هذا الإطار، أعلن المستشار القانوني لموسى السفير عبد الرحمن الصلح عن اتصالات دائمة ويومية بين الأمين العام والرئيس بري، مؤكداً استمرار المبادرة العربية من دون الذهاب بعيداً في الكلام عن نجاحها، متوقعاً أن تكون المثالثة مطروحة بقوة على طاولة جولة محادثات موسى مع الأفرقاء اللبنانيين.
إلا أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة استبق مساعي موسى الجديدة بإعلان رفضه المثالثة، معتبراً أن «هذا الأمر لا تتحمله صيغة لبنان ولا اللبنانيون يريدونه».
وقال السنيورة، خلال عشاء أقامته على شرفه سفيرة لبنان لدى بريطانيا إنعام عسيران، مساء أول من أمس: «بعد ما جاءت به المبادرة العربية، جاء من يقول بمبدأ 10+10+10، ولكن هذا البلد توافق في اتفاق الطائف على أمر مهم وأساسي في موضوع المناصفة، لا أن نعطي مدلولات جديدة لمعان مستقبلية تطيح هذه الصيغة الفريدة التي استطعنا الوصول إليها، وهي المناصفة».
وأكد أن المبادرة العربية هي اليوم الصيغة الوحيدة الموجودة على الطاولة، وهي الصيغة التي تؤمن تلاقي اللبنانيين مجدداً لا الطلاق».
ورأى «أن هناك في لبنان من لا يزال يريد أن يستعمل هذا البلد ساحة لتصفية الحسابات»، مؤكداً التزامه «مبادرة السلام العربية وحرصه على تطبيق القرارات الدولية بما فيها العودة إلى خط الهدنة».
والتقى السنيورة نظيره البريطاني غوردن براون ووزير الخارجية ديفيد ميليباند.
وبعد اللقاء، نقل السنيورة عن براون التزامه «دعم لبنان والجيش اللبناني والمبادرة العربية والقيام بكل جهد ممكن بالتعاون مع أوروبا والعالم العربي لكي ينهض لبنان كديموقراطية فعلية في هذا الجزء من العالم ولتسريع عملية انتخاب رئيس جمهورية جديد».
بدوره، أكد براون دعمه القوي لحكومة السنيورة «في عملها الرامي إلى الحفاظ على وحدة مؤسسات لبنان وتقويتها وحماية مستقبل البلاد كمجتمع ديموقراطي متسامح ومتنوع»، مشدداً على «أن بلاده ستستمر بدعم جهود الجامعة العربية لحل أزمة لبنان السياسية، والعمل بشكل وثيق مع شركائها الأوروبيين والدوليين من أجل لبنان ومواصلة دعمها القوي لشعبه».
وكان السنيورة قد استقبل في مقر إقامته في فندق «دورشستر» السفراء العرب المعتمدين في لندن، بحضور السفيرة عسيران وأعضاء الوفد اللبناني المرافق.
وانتقل السنيورة إلى باريس حيث سيلتقي فيها اليوم وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، العائد من واشنطن في طريقه إلى الرياض، على أن يستقبل الرئيس الفرنسي السنيورة غداً.

الاتّحاد الأوروبي قلق من التوتّرات

وتزامن وصول السنيورة إلى العاصمة الفرنسية مع بيان للاتحاد الأوروبي، قال فيه إن الأزمة اللبنانية «غير مقبولة»، معتبراً أن على لبنان انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن، وأشاد بحكومة السنيورة.
وعبر وزير الخارجية السلوفيني ماتياز سينكوفيتش، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، خلال مؤتمر صحافي عقب محادثات مع وزير الخارجية بالوكالة طارق متري، عن قلق الاتحاد جراء تصاعد التوترات في لبنان، مشيراً إلى أن «الوضع يتدهور».
وفيما أعلن رئيس حزب الكتائب أمين الجميل «أن قوى 14 آذار لن تترك الأمور في حالة الاهتراء التي تتآكلها، وستتصدى للفراغ المدمر والمميت الذي تغرق فيه البلاد»، اتهم النائب ابراهيم كنعان الأكثرية بأنها تناور، مشيراً إلى أنه «لا يمكن معرفة الموقف الحقيقي للأكثرية قبل الوصول إلى طاولة اللقاء الرباعي».
من جهته، شدد اللقاء الوطني اللبناني بعد اجتماعه في دارة الرئيس عمر كرامي في الرملة البيضاء على ضرورة استمرار المبادرة العربية والتمسك بها، لكنه رأى أن كلام السفير ديفيد ساترفيلد الأخير «فضح عدم رغبة الموالاة في التوصل إلى التسوية المنشودة».
ورأى أن اغتيال مغنية حلقة في سلسلة الحوادث التي حصلت منذ صدور القرار 1559، لافتاً إلى أن «عملية الاغتيال بتوقيتها وموقعها ضربة مؤلمة للمقاومة تستوجب الدراسة الدقيقة والرد المناسب». وأكد «التمسك بخيار المعارضة الحفاظ على السلم الأهلي واعتبار الجيش والمؤسسات الأمنية ضماناً أكيداً لاستقرار لبنان»، مشيراً إلى أن «تأليف لجان أمنية مشتركة لا يبشرنا بخير آت».
وبعد البيان الذي تلاه الوزير السابق وجيه البعريني، أعلن كرامي
رداً على سؤال أنه غير مستبشر بأن موسى «يستطيع أن يجد حلولاً عادلة ترضي الجميع، لأن فريق الموالاة سيلتزم ما قاله ساترفيلد».

خلفيّات القرار السعودي

في مجال آخر، تابعت الأوساط السياسية باهتمام خلفيات القرار السعودي، وأعلن نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان أنه فوجئ بهذا القرار، متمنياً أن تعود عنه، وأن «تبقى مع لبنان في خندق المواجهة تدافع عنه وتعمل لمصلحة بنيه وتوحّد صفوفه وتبتعد عن كل ضرر يصيبنا ويصيبها». ولهذه الغاية، أجرى قبلان اتصالاً بالسفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة.
من جهته، أكد خوجة حرص السعودية على الشعب اللبناني بالمقدار نفسه الذي تحرص فيه على شعبها، موضحاً أن بلاده «لم تمنع مواطنيها من التوجه إلى لبنان، بل نصحتهم بذلك مؤقتاً إلى حين جلاء صورة الوضع في ضوء الأنباء التي تحدثت عن إشكالات أمنية في بيروت وعن مواقف لا تبعث على الاطمئنان».
ولفت إلى أن أعداداً كبيرة من السعوديين موجودة في لبنان، ولم تطلب المراجع المسؤولة في السعودية منهم المغادرة، بل نصحتهم بالتنبه «وهذا شيء طبيعي»، مشدداً على «أن السعودية تبذل كل الجهود الممكنة مع غيرها من المخلصين لحل الأزمة السياسية ليعود لبنان بلداً آمناً مستقراً، وهي لا تتمنى له إلا المنعة ولشعبه الأمان».
وتمنى خوجة التوفيق للمبادرة العربية، معرباً عن أمله في «أن يصار إلى تطبيق هذه المبادرة في أسرع وقت، وهذا يساعد على الحلين السياسي والأمني للبنان».
واتصل خوجة بالمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل، معزياً قيادة الحزب باستشهاد مغنية.
وكان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وذوو الشهيد مغنية قد أقاموا مجلس فاتحة وتقبل عزاء عن روحه في مقر المجلس.
ووسط هذه الأجواء، تعقد عند الساعة الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر غد الخميس قمة إسلامية روحية، في مقر المجلس الإسلامي الشيعي ـــــ طريق المطار، للبحث في الأوضاع والتطورات الأخيرة على الساحة المحلية.
وكان شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن قد أجرى اتصالين بالشيخ قبلان ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني.
في هذه الأثناء، تواصلت ردود الفعل المستنكرة للحوادث الأمنية الأخيرة، ورأت الأمانة العامة لـ«منبر الوحدة الوطنية ـــــ القوة الثالثة» إثر اجتماعها برئاسة الرئيس الدكتور سليم الحص «أن هناك محاولات يومية لإشعال الفتنة المذهبية والطائفية في لبنان» مؤكداً أنه «لن تكون حرب أهلية مهما سعوا وبذلوا وتآمروا»، مشيراً إلى أن «الكل في مركب واحد».
وأكد رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» النائب أسامة سعد عقب لقائه مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان «أهمية حماية الأمن والاستقرار الأهلي وإزالة كل أجواء التوتر والتحريض من الساحة الوطنية والساحة الصيداوية خصوصاً». بدوره، أكد المفتي سوسان «الثوابت الوطنية لمدينة صيدا في نبذ الفتن».