ديما شريف
شُغل طلّاب الجامعة الأميركية في بيروت وأساتذتهم والمهتمّون بمناقشة إشكالية عمل المنظمات غير الحكومية اللبنانية ومدى تأثيرها على الحراك الاجتماعي في لبنان في مقهى «ة مربوطة». ويأتي هذا النقاش من ضمن سلسلة «Monthly Sociology Café» التي ينظّمها قسم علم الاجتماع في الجامعة

هل تستطيع المنظمات غير الحكومية في لبنان أن تؤدي إلى إحداث التغيير الاجتماعي المطلوب؟ وهل تستطيع أن تقفز فوق التجمعات العائلية والمذهبية والدينية للتأسيس لتحرك على قاعدة اقتصادية واجتماعية في ما يتعلق بمصالح الوطن؟ وما هو سبب تراجع حركة منظمات المجتمع المدني اللبنانية مع زيادة التقديمات المالية من الدول الغربية والاهتمام الدولي المتزايد بلبنان؟
أسئلة تدخل في صلب أي عمل تحليلي لوضع المنظمات غير الحكومية في لبنان وميادين عملها ودورها في فترة العشرين سنة الماضية، وتحديداً منذ السنوات الأخيرة للحرب اللبنانية حتى اليوم. وهذا ما حاولت الإجابة عنه جلسة الـ«Monthly Sociology Café» التي حاضر فيها الدكتور في الجامعة اللبنانية كرم كرم والبروفسور في جامعة تورنتو الأستاذ الزائر في الأميركية بول كينغستون.
يرى كرم أن المنظمات غير الحكومية اللبنانية كانت في فترة التسعينيات الفاعل الأكبر على ساحة التحركات الاجتماعية في لبنان. والتحرك الاجتماعي هذا ليس شاملاً، فهو من دون مرتكزات سياسية أو اقتصادية ويهتم بحقوق المرأة، حقوق الإنسان، البيئة، الزواج المدني، الانتخابات المحلية، التنمية المحلية وقضايا الشباب. وبالتالي فإن المنظمات عملها محدد وهي مدنية ذات صفة تعاقدية وتطوعية تعمل من أجل أهداف مشتركة مثل الحقوق المدنية وحرية التعبير، وهي مختلفة عن المنظمات والتجمعات ذات الصفة العائلية والدينية. ويقسم كرم فترة عمل المنظمات إلى مراحل ثلاث: الأولى تمتد من نهاية الحرب حتى 2005، الثانية هي فقط العام 2005 ويمكن اعتبارها فترة سيادية، أما الفترة من 2005 حتى اليوم فهي فترة التحاق سياسي. وهناك أسباب عدة لعدم نجاح المنظمات غير الحكومية في لبنان منها المضمون السياسي لعمل بعضها، ما يجعلها في حالة تنافر وتناقض مع روحية الحركة الاجتماعية ككل. واللافت أن التحرك الاجتماعي الآن أخف مما كان عليه في الثمانينيات رغم وجود قيود على العمل الاجتماعي آنذاك مقابل الحرية على مستويات القوانين والسياسة اليوم وزيادة الدعم المادي المخصص للمجتمع المدني، خصوصاً مع وجود لبنان على «الأجندة» الدولية.
ويعتقد كرم أنه خلال تسعينيات القرن الماضي استطاع الفاعلون الاجتماعيون أن يحصلوا على منابر إعلامية للحديث عن المفقودين والقضايا البيئية، ومسائل البناء الإنساني والاجتماعي، وأعطى مثال «زيكو هاوس» وجامعتي القديس يوسف والأميركية وهي ساهمت في تفعيل ثقافة المنظمات غير الحكومية وترجمتها على أرض الواقع.
واليوم تبدو الأولوية للتبعيات الطائفية والسياسية مع دفع التحرك الاجتماعي إلى المنصة الخلفية، وقد يعود السبب إلى استسلام ناشطي المجتمع المدني للواقع.
في المقابل، يرى بول كينغستون أن المنظمات غير الحكومية في لبنان لن تنجح في تحريك العمل الاجتماعي. وهو كباحث يهتم بالمنظمات غير الحكومية اللبنانية لعدة أسباب، منها الزيادة الكبيرة في أعداد هذه المنظمات خلال الحرب وبعدها، ليصل عددها في 2000 إلى 4000 منظمة. وهو يرى أن زيادة أعداد هذه المنظمات تعود إلى الفراغ الذي تركته الأحزاب السياسية والنقابات، وإلى مشاركة المنظمات المجتمعية والمدنية في إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب. ويعتقد أن قطاع المنظمات غير الحكومية استطاع مأسسة وجوده بسبب ضعف النظام السياسي المتزامن مع التفتيت الحاصل في الدولة كمفهوم. ويرى كينغستون أنه يمكن مقاربة الموضوع من أبعاد المقارنة مع نشوء المنظمات غير الحكومية في أميركا الجنوبية مثلاً والولادة الجديدة لمجتمع التحركات الاجتماعية وطبيعة أدوار المنظمات في التغيير الاجتماعي.
ويضيف أن العلائقية الكبرى للحركات الاجتماعية بالمضامين السياسية والبنية الاقتصادية والاجتماعية بدل استقلاليتها الذاتية، تجعلها تعكس هذه البنية بدل تخطيها، فتصبح بالتالي هذه التحركات والمنظمات نتاج هذه البنى. وسيطرة القبائلية على البنية المجتمعية في لبنان أدّت إلى زيادة المؤسسات الطائفية والمذهبية والعائلية. ويحمّل كينغستون مسؤولية ضعف الجذور الاقتصادية والاجتماعية للحركة الاجتماعية إلى هجرة الطبقة الوسطى وزيادة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، والتقسيم المذهبي لمؤسسات الدولة، فيما لم تستطع المساعدات المادية المتدفقة على لبنان أن تعوّض هذا الضعف. كل هذا يضاف إلى البعد عن العمل المؤسساتي والجنوح نحو العمل السياسي في لبنان والتناقضات التي يعيشها المجتمع المدني اللبناني. ويرى كينغستون أنه يجب التركيز على موضوعات محددة، والتحدي هو بإيجاد مضامين أقل تفككاً للخروج من حالة التشتت واللاحركة.
«الناس يجب أن تشعر بالحاجة إلى التغيير كي يحصل هذا التغيير» يختم كرم، ومن الضروري أن تتناول الحركة الاجتماعية حاجات الناس وطموحاتهم وتحققها، كما يجب التغلب على كل العقبات لاستمرار النشاط المدني الحالي للمنظمات، وجذب الجمهور للعمل المدني وفي دوائر التغيير لإحداث الحراك الاجتماعي.
أما كينغستون فيرى أن المجتمع المدني يمكن أن يكون شريكاً، حليفاً أو عدواً للدولة، وفي ظل سعي الكل للعمل لمصلحته الخاصة لا مكان للقضايا الاقتصادية والاجتماعية.