strong> عبد عساكر
في إحدى مدارس بيروت التي تمتاز بأسلوبها التعليمي الراقي وقسطها الفاحش واللغة الفرنسية، وقفت إحدى المعلّمات في الملعب تنادي لأحد الصبية باسم «بشار». وبعد عدة محاولات لجذب انتباه التلميذ «العاق»، البالغ من العمر 7 سنوات، اضطرّت المعلمة الى الذهاب شخصيّاً نحوه لمسكه من يده وسؤاله: «صارلي ساعة عم عيطلك يا بشار ليش ما عم تجاوب؟»، فأجابها التلميذ بكل براءة وصدق واستغراب «لأنّ اسمي هو بشير وليس بشار». لم تجب المعلّمة، ولكن ما فعلته أنّها شدّته من يده إلى غرفة الاجتماعات، إلى «هناك»، حيث يوجد تلامذة آخرون «مشاغبون». وقف الأطفال ينتظرون الحكم وقد بدا على وجوههم الخوف والاستغراب من هذا الاستدعاء العاجل، متسائلين عن السبب الذي دفع المعلّمة إلى احتجازهم. لكنّ الأمر لم يطل كثيراً، فقد وصلت الناظرة، صاحبة الاستدعاء، متأبّطة ورقة الاتّهام. وقفت في مكانها تنظر إلى «المشاغبين»، ثمّ أطلقت صرختها المدوّية «لماذا لم تشاركوا في احتفال الرابع عشر من شباط؟».
بعد الصراخ، كان لا بدّ من معرفة ماهيّة الورقة، التي تبيّن لاحقاً أنّها كانت عبارة عن طلب وجهته المدرسة إلى الأهالي تجبرهم، هم وأطفالهم، على النزول إلى ساحة «الحرية» (أي ساحة الشهداء)، للمشاركة في إحياء الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري. إلاّ أنّ هؤلاء «الشياطين الصغار» لم يسلّموا التعهّد لعائلاتهم كي يوقّعوه ويوافقوا عليه وعلى التزامات المدرسة السياسية. وتابعت الناظرة تأنيبها للتلامذة مستخدمة الخطاب الخشبي والمسطرة الخشبية، ومتّهمة الأطفال بأنّهم «مشاغبون غير ملتزمين بقوانين المدرسة»، ووجّهت إليهم إنذاراً خطّياً نتيجة «فعلتهم الشنعاء». ولم ينته يوم بشير على خير، فتابعت المعلمة مناداته باسم بشّار طوال اليوم، وعند سؤال بشير عن «المؤامرة» وراء إخفائه للورقة عن أهله، أجاب بأنّه لا يرغب في النزول إلى الساحة ويفضّل البقاء في المنزل ليلعب «البلاي ستايشن».
وفي ردّ على حادثة بشير، أشار بعض الأهالي إلى أنّهم لم يلحظوا من ضمن المنهاج «وجود مادّة تحمل اسم التعبئة السياسية أو فنون التفرقة، خصوصا أنّ تلك المدرسة تدّعي الديموقراطية، ولا فرق بين تلميذٍ وآخر ... إلاّ بالمال». وانتقدوا «التجييش» الذي تقوم به المدرسة، وتساءلوا «ألا يكفي التجييش في الشارع والتلفاز ليصبح الأطفال ميليشيات الغد؟ وهل يجب على المدارس أيضاً أن تدخل ضمن مناهجها التربوية «نهج» قائدها لتصبح مدارس لبنان معامل «شمولية» صغيرة «لشموليات» كبيرة تتغذّى على تبعية الناس». أهل بشير لم يشتكوا خوفاً من أن يُطرد ابنهم من المدرسة، وإدارة المدرسة ربّما لا علم لها بما حصل في هذا اليوم، وخصوصاً أنّ المسؤول هو رجل فرنسي بعيد عن السياسة وقريب من المال، أمّا بشير فسيكبر، ولكن قد يتعلّم كما في مدرسته «أنّه لا يوجد إلاّ رأي واحد هو رأي القائد، وكل من يقول عكس ذلك عليه أن يعاقب إمّا بإلغاء اسمه أو إلغائه هو شخصياً».