جان عزيز
لا تزال أوساط الموالاة تراهن على انفراج مفاجئ في الأزمة القائمة، يؤدي إلى تسوية وانتخابات رئاسية، قبل انعقاد القمة العربية المقبلة في آخر آذار في العاصمة السورية.
وتعترف الأوساط نفسها بأن عمر المبادرة العربية أصلاً، هو من عمر القمة المذكورة. ذلك أنه في انطلاقة مسعى الأمين العام للجامعة عمرو موسى، بعد اجتماع القاهرة الوزاري في السادس من الشهر الماضي، كان الهدف ضمان انعقاد القمة، وخصوصاً في سياق زمانها ومكانها الاستثنائيين.
وتقر أوساط الموالاة بالتالي، بأن بقاء مبادرة موسى حيّة، مرتبط باستحقاق آذار الدمشقي لا غير، ما يعني أنه بعد هذا الموعد، يسقط الهمّ اللبناني في دائرة النسيان العربي، أيّاً كانت نتيجة المساعي القائمة. ومع ذلك ترى أوساط الموالاة أن العديد من العوامل بات يشير إلى أن التسوية ستحصل قبل القمة. وتستند في قراءتها هذه إلى معطيين اثنين أساسيين:
المعطى الأول، هو روايتها الخاصة باغتيال المسؤول العسكري في حزب الله، عماد مغنية، في 12 شباط الجاري في دمشق.
إذ تصرّ أوساط الموالاة على عدِّ هذا الحدث رسالة سورية لا غير، إلى كل من يلزم، داخل لبنان وخارجه. وتستدلّ الأوساط المذكورة على اعتقادها هذا، بسلسلة طويلة من الوقائع والأخبار الأمنية: تاريخ دخول مغنية إلى دمشق، وكيفية حصوله، والتعامل السوري الرسمي مع الاغتيال في لحظته وما تبعها، وصولاً إلى غياب دمشق عن التشييع في بيروت، والتباين العلني بينها وبين طهران، بشأن التحقيق في الاغتيال، ومسألة المشاركة الإيرانية فيه، ونفيها علناً من سوريا.
استناداً إلى هذه اللوحة المعقّدة من التفاصيل والأسرار، تخلص أوساط الموالاة إلى اعتبار اغتيال مغنية حدثاً، لا بد لحزب الله أن يدرك خلفياته ونتائجه، في الواقع اللبناني.
وإذا كانت الخلفيات المذكورة متشعبة ومتعددة، تبدأ من انفجار المارينز في 23 تشرين الأول 1983، وتنتهي مع أحداث مار مخايل في 27 الشهر الماضي، مع ما ينسج من روايات عن ارتباط اسم مغنية بالحدثين وبكل ما بينهما، فإن النتيجة الوحيدة، كما تعتقد أوساط الموالاة دائماً، هي أن ظهر حزب الله بات مكشوفاً سورياً، وهو ما يقتضي أداءً لبنانياً منسجماً مع هذا الواقع المستجدّ. هكذا ترى هذه الأوساط أن الموقف العملي لحزب الله، من أزمة الرئاسة وملحقاتها، سيتجه في الأسابيع التالية إلى حلحلة تبلغ حد الوصول إلى التسوية قبل القمة.
أما المُعطى الثاني الذي تتوقف عنده الموالاة، والذي تراه متلازماً في الأساس والمنطلق مع المُعطى الأول، فهو موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري.
إذ تتحدث هذه الأوساط عن سلوكين اثنين قام بهما بري، يمثِّلان جوهر التغيير الحاصل.
السلوك الأول هو موقفه المتميّز داخل المعارضة، ودائماً بحسب قراءة أوساط الموالاة نفسها، حيال طرح المثالثة الحكومية. وتعتقد هذه الأوساط أنه بمعزل عن تفاصيل الطرح، يظل المغزى، في إبلاغ بري إلى عمرو موسى في زيارته اللبنانية الأخيرة في 7 الجاري، أنه في حال تبنّي المثالثة، فهو مستعدّ للسير في التسوية، أيّاً كانت مواقف أطراف المعارضة الآخرين.
أما السلوك الثاني فهو سفر بري المفاجئ إلى أوروبا في 11 شباط الجاري، في سياق السعي إلى ترتيبات ما، كما تؤكد أوساط الموالاة. غير أن مصادفة الخطوة مع اغتيال مغنية في اليوم التالي، جعلت الحدث يتراجع إلى مرتبة متأخرة في الضوء الإعلامي والسياسي. لكن ذلك لا يفقد هذا المعطى أيّاً من أهميته ودلالاته، كما يعتقد الموالون.
هكذا تخلص أوساط الموالاة إلى أن التسوية آتية. وهي ستبدأ بحلحلة مفاجئة في الآتي القريب من الأيام، موحية في هذا المجال أن مصدر الحلحلة والتسوية هو دمشق، التي لأسباب ما، أو لأثمان ما، وجّهت رسالتين واضحتين للسير في الحل، واحدة إلى حزب الله، وثانية إلى بري.
تبقى مسألة واحدة، لا تبدو قراءة أوساط الموالاة لها مقنعة بالتمام. فإذا كان صحيحاً أن هذا التراجع السوري الكبير قد حصل، وهو قد أبلغ للمعنيين في بيروت، فلماذا تكون المحصّلة تمسّكاً مصيرياً من الموالاة بالمرشح الرئاسي الوحيد، الذي رأى أن اغتيال مغنية تكرار لاغتيال فرانسوا الحاج، في سياق «استهداف رموز المقاومة والمواجهة مع إسرائيل»؟ مع ما يعني هذا الموقف من نسف لكل الخطاب السياسي للموالاة، منذ أكثر من سنتين، وحتى أعوام العهد الرئاسي المقبل؟