غسان سعود
عبثاً يحاول الصحافيون منذ عامين على الأقل التقاط خبر مفيد من السياسيين، موالين ومعارضين، يتعدى ذلك الذي يعلنه قادة الصف الأول. ويقول مقربون من سياسيي الصف الثاني إن غالبيتهم لا يطّلعون على ما يُطبخ في غرف قريطم والرابية والمختارة وحارة حريك ومعراب وعين التينة. وهم ينتظرون إطلالة زعيمهم على الإعلام ليتسمروا أمام الشاشة ويدوّنوا الملاحظات والعناوين العريضة للخطاب الجديد، تمهيداً لتبني إحدى النقاط وتركيب النظريات حولها. نظريات يقول بعض الصحافيين إنها لا تعدو كونها صفّاً للصفات قبل الفاعل وبعد المفعول به في جملة القائد الأساسية.
ويسرّب مقربون من بعض نواب الأكثريّة والأقليّة انتظار هؤلاء النواب اتصالاً من مساعد رئيس الحزب، يطلب منهم التشديد على إحدى النقاط، وتبرير نقطة أخرى. فيما يترقب بعض النواب عبر وسائل الإعلام لمضمون بيان يحمل توقيعهم، علموا به عبر الهاتف.
ويتحدث المراقبون عن توزيع للأدوار في صفوف الأكثرية والمعارضة، وعن عبثية سؤال أحد النواب عن غير المهمة الموكلة إليه من زعيم تكتله، حيث يندر أن يتحدث فريد مكاري عن غير الدعوة «الضرورية لفتح المجلس النيابي»، ويغيب جو سركيس عن السمع ما دام الرئيس عمر كرامي غائباً. ويتفرغ ميشال معوض (بالنيابة عن والدته) للتودد إلى البطريرك صفير وشتم وثيقة التفاهم. ويهتم غازي العريضي بالتخفيف من حدّة تصريحات وليد جنبلاط، وينهمك أنطوان زهرا بتكبير هالة ما يقوله سمير جعجع. فيما يتخصص نبيل نقولا بالثناء على مواقف حزب الله، ويظهر إبراهيم كنعان البعد المسيحي لحركة التغيير والإصلاح، ويغدق عباس الهاشم على مواقف المعارضة بعداً إنسانياً، ويرد علي حسن خليل وعلي بزّي على تيار المستقبل، قوله، ويصوب حسين الحاج حسن الأمور بالنسبة إلى «عملاء الداخل» كما يصفهم، ويوضح محمد رعد ما يريد الحزب قوله، ويذكِّر حسن فضل الله القوات والكتائب بماضيهما. أما خارج هذه المهام، فتبدو تصريحات هؤلاء النواب محاولات ضعيفة لملء الفراغات.
علماً بأن اجتماعات كتلة المستقبل النيابية انحصرت أخيراً بقرابة ثمانية نواب يلتقون الحريري دورياً، لوضع اللمسات المشتركة على خطاب المستقبل كل ثلاثة أو أربعة أيام. وثمة نواب مستقبليون اختفوا من المشهد الإعلامي ومن غرفة صناعة القرار في قريطم فجأة، وخرج إلى العلن نواب بدا دورهم في بداية عهد المجلس ثانوياً جداً. وهناك في كتلة المستقبل نواب لم يلتقوا الحريري خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلا بضع مرات فقط وفي اجتماعات عامّة، دون أن يؤثر هذا على تطابق خطابهم بالكامل مع خطاب الحريري. فيما يجتمع نواب القوات اللبنانية مع جعجع وبعض مسؤولي القوات مرة كل أسبوع أو أقل، بحسب النائب فريد حبيب، الذي يؤكد أن هذه الاجتماعات تبقى بعيدة عن الأضواء لأسباب أمنيّة.
وتعاني المعارضة من ثقل نواب لم يسمع بهم ناخبوهم. مقابل آخرين يُتعبون المشاهدين بإطلالاتهم المكثفة يومياً لتكرار ما قاله زعماؤهم. ويبدو لافتاً في تكتل التغيير والإصلاح التمايز بين أعضائه حول العديد من القضايا، رغم تميّز التكتل باجتماعاته الأسبوعيّة العلنيّة، التي تجمع خلالها الأفكار لتصاغ في بيان يوزع فور الانتهاء. والأمر نفسه يحصل في كتلة التحرير والإنماء، إذ يجتمعون كلما طرأ طارئ، ويصدرون بياناً، يقول النواب إنهم يحاولون التقيد بمضمونه. ويوضح أحد هؤلاء النواب أنهم يؤثرون عدم إكثار الإطلالات الإعلاميّة للحفاظ على هيبة الكتلة.
على صعيد آخر، يلاحظ الصحافيون تغييب النواب المتخصصين عند الأكثرية النيابية. فدور ذوي التاريخ الطويل في المجلس مثل بهيج طبارة، بطرس حرب، محمد قباني، روبير غانم وسمير الجسر، يبدو ثانوياً جداً مقارنة بعمار الحوري وأنطوان زهرا ومصطفى علوش. فيما تهتم المعارضة بإبراز دور إسماعيل سكريّة المتابع لملفي الطبابة والدواء، وغسان مخيبر الممسك بملف حقوق الإنسان.
ويقر أحد المتابعين بأن بعض مسؤولي المعارضة والموالاة ينتظر الصحف اليومية ليضع مسودة بيانه المنتظر. ويفترض بالساعين إلى تكوين صورة واضحة عن المشهد السياسي، الاكتفاء بملاحقة تصريحات زعماء الصف الأول الستّة دون إضاعة وقتهم وشغل رأسهم بصخب من هنا وهناك، لا يتعدى مضمونه الحقيقي جملة من تصريح هذا الزعيم أو ذاك.