ثائر غندور
دخل لبنان في حالة انعدام وزن، نتيجة المراهنة على القوى الخارجيّة وعدم قبول الحلّ الداخلي منذ الانتخابات النيابيّة في عام 2005. وفي الانتظار، يجري تنظيم حالة الفراغ بانتظار مواجهة ما، داخليّة أو إقليميّة، ولا حلول قبل تغيير موازين القوى داخلياً أو إقليمياً. هكذا يختصر النائب إبراهيم كنعان وضع البلد حالياً. لكنّه يلفت إلى وجود نقاش تحضيري لمبادرة سياسيّة، لم تتبلور نهائياً بعد، وقد تكون باسم التيّار أو باسم المعارضة مجتمعة. ويطرح هو مبادرة ثانية: فليلتقِ رؤساء الكتل النيابيّة في خلوة مفتوحة للتوصل إلى وضع حدّ أدنى من التفاهمات السياسيّة واستعادة الثقة، لكنّه يشترط أن يأتي الجميع بروح إيجاد حلّ حقيقي للمشكلة.
يجلس كنعان في منزله الذي يبعد كيلومترات قليلة عن منزل جنرال التيّار في الرابية. يعيد قراءة المشهد السياسي اللبناني «منذ حصلت الانتخابات النيابيّة بقانون غازي كنعان»، وفي ظلّ تحالف رباعي «دخله كل طرف لأسبابه الخاصّة، دون أن توضع ورقة سياسيّة مشتركة».
في قراءةٍ لحوادث بيروت، يرى أن ما حصل هو تعبير عن خلافات عربيّة ــــ عربيّة وليس «زعرانات شباب، بل هناك من يوجّههم»، وهو يتخوّف من تزايد هذا النوع من الخلافات كلما تأزّمت الأمور عربياً. لكن كنعان يجزم أن لا حرب أهليّة في لبنان.
يقول إن صانعي التحالف الرباعي أوهموا الناس أن إجراء الانتخابات سينهي الأزمة السياسيّة، واليوم يريدون إيهامهم بأن انتخاب رئيس الجمهوريّة هو مفتاح الحلّ، بينما الأمر ليس كذلك، بل يحتاج إلى تفاهمات سياسيّة، وتحديد موقف لبنان من الصراع في المنطقة. لكنّه متفائلٌ بانتخاب رئيس في الفترة المقبلة، ويشدّد على أنه لا يمكن حصر الخلاف بوزير بالزائد أو بالناقص.
يرى كنعان أن رفض الحلّ الداخلي يرسم صورة لبنان كـ«ساحة» مجدّداً. يعود بالتاريخ إلى الثمانينيات، حيث أدّى عدم التوافق اللبناني إلى ترك لبنان ساحة للقوى الخارجيّة، ثم اتفقت سوريا مع السعوديّة وأميركا على إدارة الملف اللبناني، فكان الطائف، وبعده حرب الخليج، فلُزِّم الملف كاملاً إلى السوري. «واليوم نشهد صراعاً مماثلاً، إذ تغيّر الملتزم وبقي مشروع التلزيم».
ويصرّ على أن ورقة التفاهم (رغم أن كلمة ورقة أصبحت تُخيف الكثيرين) «لم تكن حلفاً انتخابياً أو سلطوياً، بل هي ورقة جمعت نقيضين في سبيل وضع استراتيجيا للدولة اللبنانيّة». ويشير إلى أن عون كان قد دعا في عام 2004، أي قبل الخروج السوري، إلى مؤتمر وطني تشارك فيه سوريا، كدولة جارة، لكنّ الجميع رفضه ذلك الحين. وبعدما وُضعت الورقة بين المجموعة الأكثر ديناميكيّة في 14 آذار، الحركة السياديّة، والقوّة الأساسيّة في 8 آذار، الحركة المقاومة، هجم الباقون على هذا التفاهم، وسعوا إلى عزل حزب الله داخلياً وإقليمياً، ثم «يتهمونه باللجوء إلى المحور السوري ــــ الإيراني».
ويصف كنعان التفاهم بجسر بين طرفين نحو بقعة لبنانيّة، لا جسراً بين الطوائف أو جسراً للوصول إلى السلطة. ويلفت إلى أن فترة الخروج السوري من لبنان اتّسمت بحفاظ عدد كبير من السياسيين على الأسلوب الذي تعوّدوه في ممارساتهم السياسيّة من دون أن ينتبهوا إلى حجم التغييرات التي حصلت أو يراعوها.
ويرى كنعان أن أياً من الأطراف اللبنانيّين لا يملك رؤيةً لبنانيّة، وأن «ميشال عون وحده عمل على ضبط إيقاع الصراع ضمن الحدود اللبنانيّة، فيما ينقله الباقون إلى الخارج».
أمّا الحلّ، ومن يتحمّل المسؤوليّة؟ فيذكر كنعان بندين أساسيين يسهمان في الحدّ من التأثير الخارجي: التفاهم السياسي في حدّه الأدنى، أو على الأقل التفاهم على إدارة الأزمة السياسيّة، والمشاركة التي تدعم هذا التفاهم عبر تأليف سلطة استثنائيّة (حكومة وحدة وطنيّة) لأن ظروف لبنان والمنطقة استثنائيّة. وهنا يرى كنعان أن التيّار هو الوحيد الذي عمل على إنضاج هذين البندين، وهو لم يخطئ استراتيجياً، لكن قد «يكون أخطأ في التكتيك، إذ لم يسع إلى الوصول للسلطة بالطريقة التقليديّة اللبنانيّة». كما يقسّم الفريقين بحسب استراتيجية كل منهما. المعارضة تسعى لتعميم التفاهم، أمّا الموالاة فترفض هذا التفاهم وتسعى إلى شيء شبيه بالتحالف الرباعي الذي «كان خطيئة». ويرى أن تعنّت عون هو لكسر الجمود وبدء نقاش سياسي حقيقي.