صيدا ـ خالد الغربي
لم يعد بحر صيدا بحراً، ذاب الثلج وبان المرج، فما إن بدأت العاصفة بوضع أوزارها حتى تكشفت الأمور عن كارثة بيئية حقيقية تزيد في فظاعتها عما كان يعتقد، إذ انجلى المشهد عن آلاف من أطنان النفايات، أكبر بكثير مما كان يعتقد، تغطي مساحة شاسعة من المياه إثر الانهيار الذي سبّبته العاصفة أول من أمس في مكب صيدا.
المشهد «كارثي ومروّع»، وبدا صعباً تحديد ماذا يغمر ماذا: أهي المياه تغمر اليابسة وما هو موجود عليها، أم اليابسة بنفاياتها قد انتقلت لتحتل مساحة واسعة من البحر ليصبح في صيدا مكب آخر عائم، بينما أطنان أخرى محت أي أثر لرمال الشاطئ. فالناظر لا يرى إلا أكواماً من أشياء متعددة تبدأ بالأوساخ والأحذية والألبسة وتنتهي بالمواد ونفايات المستشفيات الخطرة من أمصال وحقن وأدوية لفظها البحر إلى الشاطئ.
المشهد على هول فاجعته والمرشح لمزيد من التكشف عن مآس بيئية أخرى، كان أمس محطّ رحال العديد من المارين والمتضامنين مع البيئة والشاطئ الصيداوي الذي أضحى يُغتال يوماً بعد يوم، منذ أن بدأت الصخور والدبش تفعل فعلها لـ«تبليط البحر»، من أجل توسيع الطرقات. وقد دفع مشهد أمس بالمتضامنين الفرادى العفويين مع غياب رجال البيئة والهيئات البيئية عن السمع، إلى إطلاق صرخات بنبرات عالية إلى المسؤولين. تقول مريم حمزة «يا بيئيّي العالم اتحدوا، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، بينما يسأل أحد الذين يرتادون الشاطئ ليغنموا ما يلفظه البحر: «من المسؤول عن هذه الجريمة؟ الموضوع كارثة لا تطاق».
في المدينة يطلق المفجوعون بالكارثة البيئية التي تؤرقهم منذ سنوات، منذ أن بدا للمكب قصة، نكات متعددة للتخلص من المكب مع العجز عن إيجاد الحلول وغياب المعالجات الجذرية. إحدى هذه النكات تقول «في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان كان حريّاً بالمعنيين أن ينصبوا راجمات صواريخ على قمة جبل النفايات، وعندها سيتكفل العدو الإسرائيلي بمحوه لينفجر براكين وحمماً لما يختزنه من غازات قد تأكسدت بدل الموت البطيء»، حل جذري يبقى مطروحاً فيما لو قررت إسرائيل تجديد حربها على لبنان!