أنطوان سعد
عشية وصول الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وصلت الأزمة السياسية بين الموالاة والمعارضة اللبنانيتين إلى حدها الأقصى: تحذير المملكة العربية السعودية لرعاياها وإخلاء السفارة الكويتية وإطلاق المواقف في بيونيس آيريس وإعلان الموالاة رفضها المطلق للمثالثة والثلث المعطل والمجاهرة برفع سقف المواقف عما كانت عليه قبل تظاهرة الرابع عشر من شباط، وتمسك المعارضة بإحدى صيغتي المثالثة أو الثلث المعطل، وإلا فلا لزوم لمجيء موسى إلى لبنان.
في مقابل الوضع السياسي الآخذ في التأزم، يبدو أن الواقع الميداني يأخذ اتجاهاً معاكساً. فبعدما ساد التوتر أحياء عدة في بيروت وضواحيها، تميل هذه الأحياء إلى الهدوء بعد نجاح المسعى الذي قام به مدير المخابرات العميد جورج خوري مساء الأحد الماضي عندما جمع ممثلي حركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل وأفهمهم دون مواربة حال وحدات الجيش اللبناني التي كانت تهرع في كل الاتجاهات من أجل منع تفاقم الصدام.
ومن غير التقليل من شأن ما قام به مدير المخابرات، يبدو أن الأطراف الحزبية الثلاثة قد نجحت في ضبط شوارعها في شكل تام، ما يحمل المراقبين على التساؤل عن جدية البيانات والمواقف التي كانت تطلقها هذه الأطراف استنكاراً أو تبرؤاً من تصرفات هذه المجموعات غير المنضبطة، وبالتالي عمّا إذا كانت التحركات والمواجهات والاقتحامات المتبادلة للمراكز الحزبية مطلوبة وأصبحت فجأة غير مطلوبة.
مصادر دبلوماسية بارزة تضع هذا الاحتواء الميداني في خانة خشية القوى الإقليمية والأطراف السياسية اللبنانية كافة، لا بل رفضها لكل تقاتل بين الطوائف اللبنانية. وتشير إلى أن ما جرى في الكويت من إشكالات ناجمة عن مجلس العزاء الذي أقامته مجموعة شيعية كويتية للقيادي الكبير في المقاومة الإسلامية عماد مغنية جعل المنطقة برمتها تشعر كأنها على فوهة بركان. لذلك أعطت كل قوة إقليمية مؤثرة على الوضع في لبنان تعليمات إلى حلفائها اللبنانيين بالالتزام في شكل تام بالتهدئة ميدانياً ورفع سقف المطالبة السياسية إلى الحد الأقصى للتأكيد على أن لا نية في التراجع والخضوع لإملاءات الفريق الآخر. وفي هذا الإطار، لا تخفي قيادات بارزة في تيار المستقبل ارتياحها لطريقة مواجهة المجموعات التابعة لها للمجموعات التابعة للمعارضة التي كانت تحاول أن تفرض سيطرتها على بعض الأحياء البيروتية. وتنوّه في شكل خاص بالقدرة على المواجهة من غير التسبب بخسائر جسيمة في الأرواح.
تميل المصادر الدبلوماسية إلى الجزم بأنه على رغم كل ما يبدو «لن تقع حرب شيعية ـــــ سنية في لبنان ولن تقع مواجهة بين القوى المسيحية المتنازعة، وأقصى ما يمكن التخوف منه هو حصول إشكالات داخل الطائفة الدرزية، سرعان ما سيتداركها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ويحتويها على الأرجح لأن استمرارها قد يفسح في المجال أمام دخول قوى غير درزية على خط الصراع، وإن في شكل غير علني، من بينها القوى الفلسطينية الخاضعة لأحمد جبريل في منطقة الناعمة». ذلك أن كل القوى الإقليمية المؤثرة على القيادات السياسية في لبنان لا تريد حرباً من شأنها أن تهدد أنظمتها واستقرارها السياسي وازدهارها الاقتصادي في فترة يشهد فيها سعر برميل النفط ارتفاعاً قياسياً. ولكنها أيضاً مع قدراتها المالية المتنامية تطمح إلى لعب أدوار بارزة في مداها الإقليمي الحيوي. لذلك تميل إلى التصدي للقوى المنافسة لها التي تحاول أن تزيد من رقعة نفوذها في لبنان.
في المقابل، تعرب مصادر نيابية عن قلقها من أن الحرب الطائفية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط قد تكون بدأت بالفعل، وأن «ما نشهده اليوم هو أشكالها البدائية وأنماطها غير المباشرة وغير المتواصلة بانتظار أن تشتعل جدياً وأن تتعمم التجربة على الدول المحيطة بلبنان».
وسط هذه المعمعة، يبدو الكلام المتعلق بالتشكيلات الحكومية المرتقبة والنزاع حول المثالثة أو الثلث المعطل وأعداد الحشود التي شاركت في المناسبات الأخيرة، الصادر عن السياسيين اللبنانيين ساذجاً إلى حد ما. فالرأي العام اللبناني والقوى الإقليمية والدولية المعنية بالمسألة اللبنانية تعرف أن كلا الطرفين يتمتع بتأييد شعبي كبير يوازي الآخر، وأن القرار النهائي في خصوص شكل الحكومة وطريقة توزيع الحصص فيها لا يعود للبنانيين. وقد بدت القيادات السياسية كأنها فوجئت بحجم التأييد الذي لا تزال تتمتع به على رغم السياسات غير المجدية التي تنتهجها والأزمات المتلاحقة التي تخلقها دون انقطاع.