حسن عليق
مر شهر ونصف على انتهاء صلاحية عقود محامي الدولة، الذين يكاد غيابهم يجمّد كل الدعاوى المرفوعة من المواطنين المتضررين من الدولة أمام المحاكم العدلية، من دون أن تحرّك وزارة العدل والحكومة ساكناً لـ«تسيير شؤون المواطنين»

لم يكن أمام موقوف انتهت محكوميته وبقي في السجن، سوى اللجوء إلى المحكمة، متقدّماً بشكوى ضد الدولة اللبنانية أمام قاضي الأمور المستعجلة، بتهمة حجز الحرية. لكن، وكما قال وكيل الموقوف لـ«الأخبار»، لم تبدأ جلسات المحاكمة بعد، لعدم وجود محامٍ يدافع عن الدولة. فمحامو الدولة الذين يمثلونها أمام المحاكم، ويعاونون رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، انتهت عقودهم يوم 5 كانون الثاني 2008، وبات التأخير سيد القضايا التي تمسّ أمور المواطنين الأكثر إلحاحاً، كالتعدي من الدولة على الحرية الشخصية والأملاك الخاصة ومحاولة تصحيح قيود الأحوال الشخصية.
فعند التقدم بدعوى قضائية ضد الدولة اللبنانية أمام المحاكم، يتولى رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل تمثيل الدولة خلال سير العملية القضائية بمختلف درجاتها، بحسب ما ينص عليه المرسوم الاشتراعي رقم 151 الصادر في 16 أيلول 1983. ويستعين رئيس الهيئة المذكورة بمحامين يعيَّنون بموجب عقود يجريها وزير العدل بناءً على اقتراح رئيس هيئة القضايا واقتراح المدير العام لوزارة العدل، على أن تتخذ هذه العقود الصيغة النهائية بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية بناءً على اقتراح وزير العدل. ويتولى هؤلاء المحامون الدفاع عن مصالح الدولة أمام المحاكم، سواء كانت الدولة مدّعية أو مدّعى عليها. وتصلح عقود المحامين لمدة سنة واحدة، تُجَدّد ضمناً لمدة سنة أخرى، بحسب ما تنص عليه المادة الثالثة من المرسوم 14801 الصادر يوم 20 حزيران 2005.
وقد صدر آخر مرسوم لإعطاء عقود الوكالة لمحامي الدولة يوم 5 كانون الثاني 2006. بالتالي، تكون عقود آخر المحامين قد انتهت يوم 5 كانون الثاني الماضي، ومنذ ذلك الوقت، تضج أروقة المحاكم بأحاديث عن غياب المدافعين عن الدولة، والذين يؤمن حضورهم مصالح الدولة والمواطنين.
ورغم أن الحكومة الحالية، ومنذ انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إليها، تُصدر مراسيم تقول إنها تتعلّق بتسيير شؤون المواطنين، إلا أنها لم تُصدر مرسوم إعطاء عقود الوكالة لمحامي الدولة الصيغة النهائية، رغم تعلّق هذا الأمر بشكل مباشر، بحقوق الدولة من جهة، وبحقوق المواطنين من جهة أخرى. كما أن وزير العدل لم ينظّم العقود قبل أن يقترح إصدار المرسوم.
تجدر الإشارة إلى أن غياب محامي الدولة يجري تغطيته جزئياً بواسطة المساعدين القانونيين في وزارة العدل، والذين يفترض بهم أن يكونوا من حملة الإجازات في الحقوق. لكن الغياب المذكور لم يؤثر سلباً على العمل الإداري في هيئة القضايا، التي لا تزال تسجل الدعاوى المرفوعة ضد الدولة أو منها.
من ناحية أخرى، أكّد المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور أن انتهاء مدة عقود المحامين لا تعني تعطّل القضايا المرفوعة ضد الدولة ومنها. فالأمور تسير وفقاً للمعتاد بقوة استمرار المرفق العام. وذكر الناطور أنه لا يوجد توجه في الوزارة لاقتراح تعيين محامين للدولة قريباً، معيداً السبب إلى أن رئيس هيئة القضايا القاضي عاطف عون سيتقاعد في تموز المقبل، ولا يريد الدخول في هذا الأمر قبل تقاعده. وأكّد الناطور أن وزارة العدل مستعدة لمعالجة أي قضية تتأخر في المحاكم، موجهاً رسالة إلى كل من تتأخر قضاياهم إلى مراجعة الوزارة.
بالمقابل، علمت «الأخبار» أن رئيس هيئة القضايا طلب أكثر من مرة بتّ الأمر، لكن من دون أن يلقى أي إجابة. وذكرت مصادر مطّلعة أن ما يؤخر بتّ الأمر هو تدخلات سياسية في وزارة العدل.
ويلفت قانونيون إلى أن غياب المحامين يشكل نكسة معنوية من خلال غياب المدافعين عن الدولة عن المحاكم، علماً بأن شؤون الدولة تمس كل أفراد الشعب. ورأى هؤلاء أن المشكلة تكمن في أن القضايا التي يرفعها الأفراد أمام المحاكم العدلية ضد الدولة هي الأكثر أهمية، لأنها تعني الحريات الشخصية والملكية الخاصة.