strong> جوانّا عازار
غالبيّة المواطنين في لبنان والدول العربيّة لا تعرف المعنى الحقيقيّ للمواطنيّة، فهي في نظرها تقتصر على حمل هويّة بلدها، لكنّ المشكلة الأبرز تكمن في صلاحيّة الفرد لحمل الهويّة تماماً كصلاحيّة من يحمل رخصة سوق للقيادة. من هنا، كانت فكرة المؤتمر الذي نظّمته لجنة الدراسات في التيّار الوطنيّ الحرّ تحت عنوان: «المواطنيّة في لبنان: بحثاً عن معوّقاتها وشروط تحقّقها» الذي يبحث في إشكاليّة فكريّة غير سياسيّة تتعلّق بعلم السياسة وتمثّل نقطة مشتركة بين المفكّرين والعلماء والمثقّفين.
رئيس لجنة الدراسات في التيّار الوطنيّ الحرّ الدكتور أدونيس عكرة تحدّث عن مفهوم المواطنيّة الذي في حال تنفيذه في لبنان في جانبيه النظريّ والتطبيقيّ ينقذ الوطن من مشاكل تطال كيانه وهويّته، وخاصّة أنّ عدداً كبيراً من القوى السياسيّة اللّبنانيّة اقترح حلولاً للمشاكل التي يعانيها لبنان انطلاقاً من مفهوم المواطنيّة. في حين تبقى المشكلة أنّ هذا المفهوم في لبنان لا يستوفي شروطه الكاملة. من هنا «تسهم لجنة الدراسات في التيّار في النقاش العامّ المطروح بشأن هذا الموضوع، مبرزة معوّقات المواطنيّة ومقترحة بعض الإجراءات التي تؤدّي إلى توافر شروط تحقيقها في لبنان». فالمؤتمر الذي استغرق التحضير له نحو ثلاثة أشهر هو تتويج لسلسلة من الحلقات الدراسيّة التي نظّمها التيّار بمشاركة عدد من المرجعيّات الفكريّة من أحزاب وأديان مختلفة والتي بحثت في المواطنيّة وعلاقتها بالنّظام الديموقراطي والعلمانيّة، إلى جانب الكتاب الذي صدر عن اللجنة والذي يمثّل دراسة عن المواطنيّة.
لماذا هذا المؤتمر؟ يجيب الدكتور عكرة «لأنّ تحقيق المواطنيّة، إضافة الى كونه دافعاً وطنيّاً، يُعدّ مرتكزاً أساسيّاً من مرتكزات ميثاق التيّار الوطنيّ الحرّ، وعلى المنتسبين إلى التيّار أن يسيروا في هذا الاتّجاه لتحقيق المواطنيّة الكاملة، كما يمثّل بنداً من بنود وثيقة التفاهم بين التيّار وحزب الله. والموضوع الأخير يعالجه خلال المؤتمر رئيس مركز الدراسات في حزب الله الدكتور علي فيّاض تحت إشكاليّة «هل تستجيب وثيقة التفاهم لمبادئ المواطنية وشروطها؟».
ولأنّ مفهوم المواطنيّة مطروح للنقاش العامّ على مستوى لبنان ككلّ، يهدف المؤتمر إلى تحقيق المواطنيّة في لبنان وليس فقط في صفوف التيّار الوطنيّ الحرّ. «فالمساوئ التي نتجت من النّقص في المواطنيّة اللّبنانيّة أدّت إلى مشاكل تعرّض الكيان اللّبنانيّ للخطر، وهذا المؤتمر من شأنه الإسهام في الإنقاذ العامّ الذي تنشده قوى داخليّة وخارجيّة عديدة».
أمّا في الشكل، فيعالج المؤتمر في محوره الأوّل «المواطنيّة في مرتكزاتها وإشكالياتها» في نقاط هي: «المواطنيّة في الدولة الحديثة»، «المواطنيّة في ما تطرحه من إشكاليّات»، «المواطنيّة في الدولة الإسلاميّة» و«المواطنيّة في الأنظمة الإيديولوجيّة». أمّا المحور الثاني فهو تحت عنوان «المواطنيّة اللبنانية في معايير أساسية» ويتطرّق إلى: «المواطنية في الدستور اللبناني»، «المواطنية في معيار الانتخابات النيابية: القانون والممارسة»، «المواطنية في المجتمع التعددي». في حين يتناول المحور الثالث والأخير «العوامل المؤثّرة في بناء المواطنية» ويبحث في «المواطنية في العائلة»، «المواطنية في مؤسسات التربية والتعليم»، «المواطنية في التعليم الديني المسيحي»، «المواطنية في التعليم الديني الإسلامي»، «المواطنية في الأحزاب والجمعيات»، «هل تستجيب وثيقة التفاهم لمبادئ المواطنية وشروطها؟»، «دور الاقتصاد والتنمية المستدامة في بناء المواطنية».
ويُعدّ المؤتمر حلقة متخصّصة يشارك فيها متخصّصون يطرح بعضهم الإشكاليّات ليناقشها الآخرون للخروج بعدها بتوصيات عمليّة ستنشر في كتاب خاصّ. فالمشاركون وعددهم 40 تقريباً، هم متخصّصون في علم الاجتماع، علم السياسة والحقوق، وهم ينتمون إلى طوائف وأديان مختلفة وإلى مختلف القوى السياسيّة في لبنان، فضلاً عن مشاركة فلسطينيّة للدكتور عزمي بشارة تندرج تحت نموذج لبنان ونموذج الدولة الفلسطينيّة، ويعالج خلالها موضوع المواطنيّة في المجتمع التعدّدي.
وعن إمكان تحقيق التوصيات عمليّاً يقول عكرة «بعد أن يجلس الأطراف اللّبنانيّون الأساسيّون إلى طاولة الحوار ليناقشوا صيغة لبنان المستقبل، سيناقشون حتماً نتائج المؤتمر من مواد ومقترحات». مع الأخذ في الاعتبار ضرورة العمل على طرح جوانب أخرى، منها دور الإعلام في تحقيق المواطنيّة، وذلك بالتعاون مع قوى ومؤسّسات ومراكز دراسات ومنظّمات مختلفة. ويبقى أنّ هذا المؤتمر الذي يعقد السبت والأحد المقبلين في فندق رويال ـــــ الضبيّة هو الرقم واحد من مجموعة من موضوعات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم المواطنيّة، منها الدولة المدنيّة، العلمانيّة، الديموقراطيّة التوافقيّة التي ستعالجها لجنة الدراسات في المستقبل القريب.