ثائر غندور
بيروت تغيّرت. كلام الاعتدال لم يعد له مكان في بيروت. النخب الاجتماعيّة أصبحت تبني مواقفها على أسس مذهبيّة حادّة في كلا الطرفين. لم تعد هناك إمكانيّة للوسطيّة خصوصاً في صفوف مثقفي تيّّار المستقبل الذين أصبحوا «إمّا معنا وإمّا ضدّنا» مثل خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش. تخرج بهذه الخلاصات من لقاء إحدى الشخصيّات البيروتيّة العريقة.
تتحدّث هذه الشخصيّة براحة مطلقة عن جميع الأطراف السياسيّة، إذ إنها على تواصل مع الجميع، وبعيدة عنهم في الوقت ذاته. تنتقد تيّار المستقبل الذي سيطر على طائفة بأكملها منذ أيام الراحل رفيق الحريري، ليستكمل نجله المهمّة عبر دفع الأموال يميناً وشمالاً، وكأن «مبلغ 52 مليون دولار كلمة في الفم». وينطبق هذا المنطق على جميع القوى السياسيّة الأخرى. تمّ شراء ذمم الناس لتتحوّل السياسة إلى بازار لمن يدفع أكثر. كما أصبح الناس ضحايا ثقافة الاستهلاك على كل المستويات، وجرت عمليّة تسطيح لهم. وصارت الحياة السياسيّة قائمة على أحاديّات طائفيّة.
أمّا عن حزب الله، فتستخدم هذه الشخصيّة لغة أخرى. هي مشتاقة لرؤية أمينه العام العام السيّد حسن نصر الله لكنّها متخوّفة على أمنه، تخاف عليه من ابتعاده عن الساسة غير الحزبيين لأن في ذلك تضييقاً لزاوية الرؤية. وهي تنتقد أيضاً قيام حزب الله بنقل انتصار تموز إلى الداخل ما أدّى إلى تقزيمه. وتشير بسلبيّة إلى كلام الرئيس السوري بعد تمّوز حين قال «لقد انتصرنا على 14 آذار». وترى أن اغتيال القائد عماد مغنيّة قد أعاد تصويب بوصلة المواجهة صوب الوجهة الأساسيّة أي العدو الصهيوني لا أزقّة بيروت. وترى أن الصدام السني ـــــ الشيعي هو مقتل المقاومة، ولذلك يجب أن «لا يمنّن حزب الله أيّ أحد بتفاديه هذه المواجهة»، لكنّها في الوقت ذاته متخوّفة من أن يجرّ فريق الأكثريّة الحزب صوب مواجهة من هذا النوع تقتله، لكنّها تقتل الجميع أيضاً «إذ لا رابح في أي صدام داخلي». وهي في هذا الإطار أيضاً تنتقد الممارسة الإيرانيّة في لبنان التي عليها أن تمتّن علاقتها بالجميع عملياً لا شكلياً فقط إذا أرادات أن تكون شريكاً في النضال من أجل القضيّة الأساسيّة، أي فلسطين، «وهذا كلام قيل للإيرانيين مباشرةً». وتقول هذه الشخصيّة إن العرب ناموا أكثر من عشرين عاماً، وفي هذا الوقت كان الإيرانيون يعملون بكدّ، ويضعون الاستراتيجيّات. ومنذ عامين استيقظ العرب. وجدوا أن الإيرانيين أقوياء وأصبحوا يزايدون عليهم في النضال لتحرير فلسطين، وأن يدهم طولى في العراق وسوريا ولبنان، لدرجة أن الملك عبد الله قال للرئيس الإيراني أحمدي نجاد: «عليكم أن تهدأوا، وألّا تستفزّوا السنة، فإذا استيقظ هؤلاء تحوّلت المنطقة إلى بحرٍ من الدماء».
وتختصر صورة المنطقة كالآتي: الأميركيون استطاعوا فرض سياستهم في كلّ البلدان، إذا تنتقل الفوضى من بلد إلى آخر، فيما أصبح وضعهم في العراق مقبولاً. نقلوا الصراع إلى قلب منطقتنا، وبتنا كل 10 سنوات نبتعد عن العروبة أكثر.