نقولا ناصيف
انتهى الاجتماع الرباعي الرابع، أمس، إلى ما كانت قد انتهت إليه كل الجهود التي بذلها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مذ تولى تنفيذ المبادرة العربية، وهو أن كلاً من الموالاة والمعارضة ليست مستعدةً بعد للتسوية السياسية، وقد لا تكون تريدها بالضرورة. وكانت هذه أيضاً خلاصة الجولات السابقة من مساعي موسى في بيروت، منذ 9 كانون الثاني الفائت، قبل أن يضيف إلى آلية تحرّكه المكوكي بين طرفي النزاع فكرة اجتماع مشترك بين رئيس المجلس نبيه بري ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، ثم لاحقاً اجتماعات التفاوض التي ضمّت إلى الحريري الرئيسين أمين الجميّل وميشال عون. وفي كل مرة كان جدول أعمال الاجتماعات هو نفسه المبادرة العربية. يتغيّر من حولها المتفاوضون ومناوراتهم، ولا تتبدّل شروطهم. وفي حصيلة الاجتماعين الثالث والرابع، الأحد والاثنين المنصرمين، تبيّن بكثير من اليقين أن طرفي النزاع في مكان، والأمين العام للجامعة في مكان آخر:
ــــــ هو يريد إنقاذ المبادرة العربية والحؤول دون نعيها، لأن لا بديل منها سوى المواجهة المفتوحة، ولأنه ليس في وسع الجامعة العربية الاعتراف بفشل دورها في معالجة خلاف لبناني ــــ لبناني. وهي في واقع الأمر تفشل في أن تكون وسيطاً ناجحاً ومفيداً لتحقيق مصالحة سعودية ــــ سورية.
ــــ والفريقان الآخران يريدان استنفاد الوقت الكافي كي لا يقدّم أحدهما تنازلاً جوهرياً للآخر، وفي قرارة نفسه أن انقضاء الوقت سيحمل ندّه على التنازل. بل لكل منهما رهان معاكس للآخر. الموالاة تتوقع تدهوراً دراماتيكياً في المنطقة يطوّق سوريا ويصيب نفوذها في لبنان إلى حدّ يقارب تدميره. والمعارضة تعتقد أن مصالحة سعودية ــــ سورية مهما طال أمدها، تعزّز نفوذ دمشق ولا تقوّضه، وتعيد تصويب توازن القوى اللبناني.
وهكذا لا تعدو الآمال التي يطلقها موسى على نتائج جهوده كونها محاولة لتمديد أمد بقاء المبادرة العربية على قيد الحياة. وهو بذلك يلتقي مع ما يقوله دبلوماسي أوروبي رفيع بأن المبادرة العربية قد تفشل، ولكن أحداً لا يعلن موتها.
إلا أن ما أفضت إليه مداولات الاجتماع الرباعي أبرزت المعطيات الآتية:
1ـــــ تمسّك كل من فريقي 14 آذار والمعارضة بشروطه المتصلبة لإمرار التسوية السياسية. وهما بذلك يلتقيان على رفض تسوية متوازنة ومتكافئة كونها ستنتزع منهما معاً تنازلات ليسا مهيّأين لها في الوقت الحاضر قبل حسم مسار الصراع السعودي ــــ السوري.
2ـــــ سواء صدرت من المعارضة أو من قوى 14 آذار، فإن الطرفين يقاربان الضمانات التي يطلبانها في إدارة الحكم في المرحلة المقبلة، على أنها تعويض تخليهما عن بعض شروطهما في تأليف حكومة الوحدة الوطنية، ويأخذان من الضمانات ما قدّماه في تأليف الحكومة الجديدة.
3ـــــ بعدما بدا في جلسات سابقة من تفاوض طرفي النزاع أنهما اتفقا على قانون الانتخاب، واقتصرت المشكلة على تذليل العقبات المتصلة بتأليف حكومة الوحدة الوطنية، عاد الخلاف على قانون الانتخاب إلى النقطة الصفر. ففيما تصرّ المعارضة على اعتماد قانون 26 نيسان 1960، بتقسيمات دوائره، وخصوصاً الأقضية، تريد قوى 14 آذار من هذا القانون الأقضية دوائر انتخابية في كل لبنان ما خلا بيروت المقسّمة أساساً ثلاث دوائر انتخابية، بحيث يصار إلى إدماجها في دائرة انتخابية واحدة تسمّى قضاءً، الأمر الذي يؤدي حكماً إلى قانون معدّل لقانون 1960، ولا يعود في أي حال قانون 26 نيسان 1960، بل يكون قانون 1960 قد فقد عندئذ جزءاً رئيسياً من فلسفة وضعه، وتحديداً في العاصمة التي شاء المشرّع توزيعها انتخابياً على ثلاث قوى سياسية طائفية تتوازن فيها مواقع الموارنة (رغم الغالبية الأرمنية الناخبة في ذلك الحين) والسنّة والشيعة.
ومع أن أفرقاء الموالاة قالوا مراراً ــــ ومن بينهم النائب الحريري ــــ إنهم يلتزمون الوعد الذي قطعه الرئيس الراحل رفيق الحريري للبطريرك الماروني مار نصر الله صفير على شرفة الصرح البطريركي في الديمان صيف 2004، بتأييد القضاء دائرة انتخابية وفق قانون 1960، ومع معرفتهم كذلك بأن البطريرك حين يتحدّث عن قانون القضاء لم يعنِ مرة إلا قانون 1960 كما رسمه الرئيس فؤاد شهاب للأقضية وبيروت خصوصاً، أضحوا اليوم يتحدّثون عن آخر مغاير يسمّونه قانون 1960، ويعلقون كل الاتفاق السياسي على التفاهم على هذا الجانب من التسوية. حيث أوصدت المعارضة، ورئيس المجلس نبيه بري، الأبواب دون هذا التعديل.
4ـــــ رغم تسليم المبادرة العربية باقتراحاتها للحل اللبناني على أنها سلة سياسية متكاملة توضع موضع التنفيذ وفق آلية متدرّجة، إلا أن فريقي النزاع راحا يتبادلان المناورات المتنقلة من رفض بند إلى آخر. وبينما تقول أوساط المعارضة إن الفريق الآخر أوشك أو يكاد على القبول بتأليف حكومة وحدة وطنية وفق معادلة 10+10+10، على أن يكون الوزير العاشر للمعارضة من ضمن الحصة الوزارية لرئيس الجمهورية، تنكر أوساط الموالاة موافقتها على هذا المخرج وتعيد المشكلة إلى بداياتها، وهي أنها لا توافق إلا على انتخاب المرشح التوافقي قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، قبل الخوض في أي بند آخر، بما في ذلك تأليف حكومة جديدة، وهي المتروكة بدورها لآليتها الدستورية ومراحلها المتدرّجة. بذلك تتناقض نظرة كل من طرفي النزاع إلى المبادرة العربية.
تقول المعارضة إنها سلة متكاملة يتفق سلفاً على بنودها الثلاثة مرة واحدة وتطبّق تدريجاً، وتقول الموالاة إن البنود الثلاثة غير مترابط أحدها بسواه، ولا يعدو إدراجها في المبادرة إلا كآلية حل تنجز بنودها واحداً بعد آخر على نحو مستقل، ودونما تعهّدات مسبقة.