أنطوان سعد
حتى أقرب الأوساط من الأكثرية النيابية لا يمكنها أن تنفي أن الممانعة التي تمارسها المعارضة منذ أشهر، وبالتحديد قبل أسابيع من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق العماد إميل لحود، أسهمت إلى حد كبير في إعادة شيء من البريق لمقام الرئاسة الأولى. فالسجال حول هوية شاغله ومواصفاته الذي تحوّل إلى نزاع وكاد يصير صراعاً، أكد الدور المحوري لرئيس الجمهورية وللدور المسيحي عموماً في قلب المعادلة اللبنانية القائمة على التوازن بين المجموعات الطائفية المكونة.
أول المكاسب العملية لموقع رئيس الجمهورية، إضافة إلى الشق المعنوي من المسألة، أي القدرة على توجيه دفة الحكم واستيعاب الخلافات وما شابه، هو رفع حصة رئيس الجمهورية في الحكومة، إذا كانت ثلاثينية، من أربعة وزراء إلى سبعة أو ثمانية على الأقل، كما يقترح الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وتوافق الأكثرية، وإلى عشرة وفق ما تنادي به المعارضة إذا أصرّت الأكثرية على عدم إعطائها الثلث المعطّل.
ففي التشكيلتين الحكوميتين اللتين تألفتا بعد انحسار النفوذ السوري عن لبنان والمنبثقتين عما عرف في ذلك الحين بالتحالف الرباعي، توافقت هذه القوى، أي تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، على تحديد حصة رئيس الجمهورية بوزيرين أو ثلاثة. وعندما أخذت الأكثرية خطوة اعتبار قائد الجيش العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً لرئاسة الجمهورية، رغم أنها كانت تضعه في خانة أقرب إلى المعارضة «لا بل المتواطئ معها»، على ما قالت في حينه مراجع حكومية بارزة، تعليقاً على أحداث يومي الثالث والعشرين والخامس والعشرين من كانون الثاني من عام 2007، بدأت مفاوضاتها مع المعارضة على أساس إعطاء رئيس الجمهورية العتيد حق تسمية أربعة وزراء فقط، اثنين مسيحيين واثنين غير مسيحيين.
علماً بأن مداولات النواب في مدينة الطائف سنة 1989، ذهبت في اتجاه حفظ حق رئيس البلاد في تسمية أكثر من ثلث عدد مجلس الوزراء تعويضاً له عن انتزاع صلاحياته التنفيذية في شكل شبه تام. فرداً على سؤال: «ماذا بقي لرئيس الجمهورية إذاً؟» كان الجواب على الشكل الآتي: إن الحكومة تعدّ مستقيلة باستقالة ثلث أعضائها، والقرارات المصيرية لا تؤخذ إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، لذلك من الآن فصاعداً ليمتنع رئيس الجمهورية عن التوقيع على مرسوم تأليف الحكومة إذا كانت التشكيلة لا تحفظ له الثلث المعطّل. ولا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن الكلام عن الثلث المعطل لم يكن يعبّر عن تأمين المشاركة في الحكم بين الموالاة والمعارضة بل بين المجموعات الطائفية اللبنانية.
إذاً، لقد تمكنت المعارضة من خلال الممانعة التي مارستها من كسر الطوق المفروض على رئاسة الجمهورية منذ تأليف حكومة الرئيس عمر كرامي سنة 1990 والمستمر بفعل اتفاق القوى السياسية التي استفادت من زمن الهيمنة السورية بعد خروج سوريا على إبقائه للحفاظ على الحصص نفسها في مجلسي النواب والوزراء.
بيد أن استمرار هذه الممانعة التي أفرغت مؤسسة رئاسة الجمهورية ووضعت البلاد على كف عفريت نتيجة التجاذبات والرياح الإقليمية المفعمة بالتوتر والتنافس الطائفي، قد يجر لبنان إلى ما لا تحمد عقباه، وخاصة إلى تفكك الدولة وأجهزتها الأمنية. فالعماد ميشال سليمان ينبغي أن يحال إلى التقاعد في تشرين الثاني المقبل، ما يعني أحد أمرين:
ـــــ تعيين رئيس الأركان اللواء شوقي المصري قائداً للجيش بالوكالة على ما تقتضي التراتبية القيادية في الجيش، كما حصل في نهاية سنة 1978، عندما استقال الوزير فؤاد بطرس من وزارة الدفاع، فعيّن الرئيس الياس سركيس قائد الجيش فيكتور خوري مكانه فيما تولى رئيس الأركان منير طربيه قيادة الجيش بالوكالة طيلة المدة الباقية من عمر حكومة الرئيس سليم الحص الأولى. ومعروف ما ستكون انعكاسات مثل هذا الوضع على المعارضة لأن الأوساط المسيحية لن تكون مسرورة بمشاهدة عملية إفراغ المؤسسة تلو الأخرى من المشاركة المسيحية.
ـــــ إقدام مجلس الوزراء على تعيين قائد جديد للجيش في سابقة خطيرة لسببين: إذ إنها ستكون المرة الأولى التي لا يعيّن فيها رئيس الجمهورية قائد الجيش، وفي الوقت نفسه، لن تقبل المعارضة بهذا التعيين الذي سوف تعتبره حكماً مندرجاً في إطار الهيمنة على أجهزة الدولة وغير شرعي، ما يعني تهديداً جدياً لوحدة المؤسسة العسكرية وبالتالي وحدة البلاد.