عمر نشابة
المحكمة هي آلية مؤسساتية، وظيفتها الأساسية تحقيق العدالة. وينصّ قرار مجلس الأمن الرقم 1757 على «إنشاء المحكمة (لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجرائم أخرى إذا ثبت تلازمها معها) استناداً إلى أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية». إن استخدام مجلس الأمن عبارة مطلقة هي «أعلى المعايير» يفرض الالتزام بها لأن ورودها قد يكون جزءاً من سبب إجماع عشرة أعضاء من المجلس على نصّ القرار. لا بل إنّ ورود إنشاء المحكمة بحسب «أعلى المعايير في مجال العدالة الجنائية» سهّل عملية تمرير القرار 1757 من دون فيتو روسي أو صيني، والدولتان هما من بين الدول الخمس الأعضاء التي امتنعت عن التصويت على القرار.
لكن في كلّ مرّة تتمّ فيها مراجعة مدى التزام إنشاء المحكمة بـ«أعلى المعايير» تعلو أصوات بعض الغيارى على «الحقيقة» وعارفيها منذ ما قبل بدء التحقيق والمحاكمة، لتعتبر أن أي مراجعة من هذا النوع أو أي انتقاد مهني لآلية المحكمة ونظامها يعدّ «حرتقة» علىها، لا بل «خيانة» و«عمالة للنظام السوري» وتفريطاً في وجوب تحقيق العدل.
ألا يعدّ استباق التحقيق عبر إطلاق اتهامات علنية لدولة أو فرد أو جماعة بجرائم القتل والإرهاب «حرتقة» على نظام العدالة عبر نسف مبدأ قرينة البراءة؟ وألا يعدّ عدم التزام فريق الأمم المتحدة لاختيار قضاة المحكمة بمعايير دقيقة عبر مراجعة تفاصيل خصوصيات المرشحين المهنية «حرتقة» على مضمون قرار مجلس الأمن الرقم 1757؟ وألا يعدّ استخدام المحكمة ورقة مساومة سياسية دولية أو آلية للضغط الفرنسي العلني على دولة أو نظام أو جماعة «حرتقة»؟ وأليس عدم إعطاء رئيس الحكومة الفرصة الكافية للإجماع الوطني حول آلية المحكمة عبر استعجال الموافقة على نظامها «حرتقة» على العدالة الجامعة؟ وماذا عن استمرار إطلاق اتهامات فريق من اللبنانيين لفريق آخر بمحاولة تعطيل المحكمة و«تبرئة الطاغية»؟